المجلس الأعلى للسلطة القضائية آلية لتكريس استقلالية القضاء وتعزيز سيادة القانون

0

بشرى أزور: يشهد المجال القضائي بالمغرب تطورا حثيثا يسعى لإنجاح تجربة استقلالية القضاء والدفع بورش التحديث، ليرقى إلى منظومة قضائية متطورة ومتكاملة تساهم في تحسين هذا القطاع الحيوي والنهوض بكافة مرافقه.

وينطلق الانخراط القوي في ورش إصلاح منظومة القضاء وتعزيز استقلاليته، من كون هذه المنظومة تشكل إحدى ركائز البناء الديمقراطي، عبر تعميم سيادة القانون وتعزيز مبادئ المسؤولية والمحاسبة والحكامة والتخليق.

فبعد مرور أزيد من سنة على إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يسعى المغرب إلى رسم معالم سلطة قضائية تتسم بالقرب والانفتاح، بإمكانها مواجهة التحديات التي يفرضها التطور الذي تشهده كافة المجالات.

ففي 6 أبريل 2017، عين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بصفته رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وضامن استقلال السلطة القضائية، أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك طبقا لأحكام الدستور، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث تم تعزيز مكانة القضاء في البناء المؤسسي الوطني والارتقاء بالسلطة القضائية إلى سلطة قائمة الذات، مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ويعد المجلس الأعلى للسلطة القضائية في حلته الجديدة بعد دستور 2011، نموذجا مغربيا متفردا لسلطة قضائية تتسم بتركيبتها المتنوعة والمنفتحة واختصاصاتها المتعددة وكذا الأدوار الكبرى التي تضطلع بها داخل المجتمع، وتكتسي أبعادا حقوقية متميزة، وأيضا بروح إصلاحية عميقة.

فهذه المؤسسة القضائية تشكل خطوة أخرى نحو ترسيخ استقلالية القضاء، وجعل السلطة القضائية آلية حقيقية لتفعيل الممارسة الديمقراطية، بالنظر للدور الكبير الذي يضطلع به المجال القضائي في التأسيس لفضاء سمته الأمن والعدل، وهدفه إعلاء الحق وترصيد المكتسبات التي راكمها المغرب في ضمان الحقوق والحريات ومحاربة كافة أشكال الفساد.

في هذا الإطار، يعتبر محمد محبوبي، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق السويسي، رئيس شعبة القانون الخاص، أن تأسيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ساهم في تعزيز استقلالية القضاء كمبدأ دستوري ، وذلك إلى جانب مؤسسة رئاسة النيابة العامة، مما يساهم في تحسين الآفاق المهنية للقضاة الخاضعين لسلطة المجلس وأيضا التعاطي مع شؤون المواطنين.

وسجل الأستاذ محبوبي أن الترسانة القانونية في المجال، التي تشمل على الخصوص النظام الأساسي لرجال القضاء، والتنظيم القضائي للمملكة، وقانون المسطرة المدنية أو الجنائية، تم تحديدها قبل تفعيل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، معتبرا أن هذا الأخير يعمل على تحقيق التوازن في ما يخص بعض نقط التعاون بين القضاء الجالس والقضاء الواقف. وأكد أن توزيع الاختصاصات محدد بين هاتين الهيئتين.

وبعدما أشار إلى أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يوجد حاليا في مرحلة تكوين الأطر، شدد السيد محبوبي على ضرورة تعزيز الاستقلالية المالية لهذا الجهاز، بهدف تعزيز مكانة سلطة ثالثة لها موازنتها المالية الخاصة، مسجلا في هذا الإطار صدور النظام الأساسي لموظفي المجلس الاعلى للسلطة القضائية، الذي يسري على موظفي رئاسة النيابة العامة.

كما أن المغرب دشن، من خلال الإعلان عن استقلال مؤسسة النيابة العامة عن وزارة العدل، مرحلة جديدة في سياق مسلسل إرساء أسس دعائم دولة الحق والقانون، وتوطيد استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

إذ مكن نقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، في أكتوبر 2017، من الارتقاء بتدبير الشأن القضائي، وذلك ستة أشهر بعد تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، طبقا للمادة 117 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، ليجسد بذلك، على أرض الواقع، مفهوم الاستقلال المؤسساتي الكامل للسلطة القضائية.

ويأتي نقل رئاسة النيابة العامة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في سياق تنزيل الأوراش الكبرى لإصلاح منظومة العدالة، بغية تعزيز استقلالية السلطة القضائية وفق ما جاء به دستور 2011، وتفعيلا لأحكام المادتين 110 و116 من الدستور والقانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الاساسي للقضاة لاسيما المادتين 111 و117 من هذا القانون.

إن من شأن هذه الأوراش المفتوحة أن تمكن السلطة القضائية من تعزيز مكانتها، بفضل الانفتاح والقدرة على مواجهة التحديات المتغيرة، لتكون سلطة مواطنة منصفة ومتوازنة تكرس دولة المؤسسات وتتفاعل بضمير مسؤول مع التوجيهات الملكية السامية لإصلاح العدالة ومكافحة الفساد وحماية المال العام وصون المكتسبات وضمان الحقوق والحريات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.