وفي كلمته أمام الناخبين ،من داوننغ ستريت (مقر رئاسة الوزراء) في وسط لندن، اعتبر ستارمر أن إصلاح الوضع الذي خلفه حزب المحافظين خلال قيادته للحكومة السابقة، يتطلب أزيد من عقد من الزمن.
ومن المفارقات رؤية رئيس الوزراء العمالي يلقي أول خطاب رسمي له منذ توليه منصبه في حدائق داونينغ ستريت، بينما كان سلفه المحافظ بوريس جونسون يقيم في الفضاء ذاته حفلات الاستقبال في عز أزمة (كوفيد-19).
وفي تقدير محللين أن ستارمر بعث إشارة لرغبته في إحداث قطيعة مع إدارة الحكومة السابقة، وتنفيذ برنامج “التغيير” الذي دافع عنه حزب العمال طيلة سعيه للوصول إلى السلطة الذي تحقق له عقب الانتحابات التشريعية ل 4 يوليوز، وبعد 14 سنة في المعارضة.
والحقيقة التي كشفها ستارمر هي أن المملكة المتحدة تعيش بالفعل أزمة تتطلب قرارات “مؤلمة”. وأعلن على الفور أن الميزانية التي ستقدمها وزيرة الخزينة راشيل ريفز في أكتوبر المقبل ستنص على قرارات ’’قاسية’’.
وانتهز رئيس الوزراء الفرصة لمواصلة الهجوم على حزب المحافظين، متهما بأنه ترك “ثقبا أسود” بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني في المالية العامة، بل وذهب إلى حد اتهام المحافظين بالمسؤولية عن أعمال الشغب اليمينية المتطرفة التي هزت ، مؤخرا ، عدة مدن في إنجلترا وإيرلندا الشمالية.
وقال “إن أعمال الشغب هذه لم تحدث من فراغ. لقد عروا حالة بلدنا وكشفوا عن مجتمع مريض ومنهك بفعل عقد من الانقسام والانحدار وغرق في الشعبوية’’.
لكن حزب المحافظين لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الهجوم العمالي، حيث تناوب كبار مسؤوليه ، ضمنهم رئيس الوزراء السابق ريتشي سوناك الذي يستعد لترك قيادة الحزب ، على دحض مضامين خطاب خصمهم.
وغرد سوناك على منصة (إكس) بإن خرجة ستارمر “مؤشر واضح للغاية على نية حزب العمال زيادة الضرائب’’. بدوره، عبر كيمي بادينوش ، وهو أحد المرشحين لخلافة سوناك ، عن رفضه لاتهامات ستارمر بشأن “الثقب الأسود” الذي تركه المحافظون في المالية العامة، معبترا أن ستارمر ’’بنى حملته الانتخابية على وعود لا يمكنه الوفاء بها’’.
بينما أشار (اتحاد) الذي يعد ثاني أقوى مركزية نقابية في بريطانيا، على لسان أمينته العامة شارون غراهام، إلى أن البلاد ’’لا تحتاج إلى رؤية قاتمة’’. وقالت غراهام المعروفة بانتقاداتها الحادة لبعض قرارات الحزب الحاكم “حان الوقت لتجسيد التغيير الذي وعد به حزب العمال’’، داعية هذا الاخير إلى “إظهار الشجاعة لتحقيق التغيير الذي ينتظره العمال ومكونات المجتمع’’.
وداخل الاوساط النقابية أو النواب المستقلين في مجلس العموم (الغرفة السفلى بالبرلمان البريطاني)، لايبدو أن هناك تقليل من حجم الأزمة التي تواجهها المملكة المتحدة.
وتقر غراهام بأن الوضع يبدو صعبا ، مؤكدة أن سياسة ضريبية ملائمة يمكن أن تساعد في إيجاد الأموال اللازمة لإعادة بناء البلاد وتنشيط الاقتصاد.
وحذر نواب مستقلون يقودهم زعيم حزب العمال سابقا جيريمي كوربين من مخطط الحكومة لإجراء تخفيضات في الميزانية لإعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح.
وجاء في بيان لهم أن ’’التقشف ليس خيارا صعبا. بل هو الاختيار الخاطئ. والخيار الصحيح هو الاستثمار في المجتمعات لإحداث التغيير الحقيقي الذي يريده الناخبون ويستحقونه’’.
وإذا كانت إدارة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد موضع اختلاف بحسب موقع كل حزب سياسي، فيبدو ان التشخيص يحظى بالاجماع .
وتحت تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ( بريكسيت) وجائحة (كوفيد ـ19)، واصل الاقتصاد البريطاني فقدان زخمه سيما مع ارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات العامة بشكل مثير للقلق.
وبعد عامين صعبين (2022 و2023)، بدأ الاقتصاد البريطاني يستعيد عافيته في العام الجاري، مع نمو فوق التوقعات للناتج الداخلي الخام، حيث حققت البلاد خلال النصف الأول من 2024 أسرع نمو مقارنة ببلدان مجموعة السبع الأخرى، بنسبة 0.7 في المائة.
كما أن التضخم سجل تراجعا ليستقر عند 2.2 في المائة، وهو مستوى أعلى من 2 في المائة كما حدده البنك المركزي كهدف، وأقل بكثير من 11.1 في المائة الذي تم الوصول إليه مع نهاية عام 2022.
في غضون ذلك، تراجع معدل البطالة إلى 4.2 في المائة في الربع الثاني من العام الحالي مقابل 4.4 في المائة في الربع الذي قبله.
هذه النتائج وإن كانت إيجابية فإنها غير مطمئنة في سياق جيوـسياسي متسم بعدم اليقين. وهو وضع يزيد الضغط على حزب العمال المدعو للاستجابة لانتظارات رأي عام ينفذ صبره يوما بعد يوم ، كما يرى محللون الذين يتوقعون دخولا برلمانيا ساخنا الأسبوع المقبل.
عبد الغني عويفية