نص كلمة راشيد الطالبي العلمي خلال الدورة الثانية لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي للمنطقة الاورومتوسطية والخليج
افتتح يومه الخميس بمدينة مراكش أشغال الدورة الثانية لمنتدى مراكش ١لبرلماني الدولي للمنطقة الاورو متوسطة والخليج. تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
والقى النائب الاول لمكتب مجلس النواب محمد الصباري نيابة عن رئيس المجلس السيد راشيد الطالبي العلمي كلمة جاء فيها:
السيد رئيس مجلس المستشارين، رئيس برلمان البحر الأبيض المتوسط، الأخ النعم ميارة،
السيدات والسادة رؤساء المجالس التشريعية والمنظمات البرلمانية متعددة الأطراف،
السيدات والسادة مسؤولو المؤسسات الدولية والإقليمية كل باسمه وصفته،
السيدات والسادة،
يسعدني باسم مجلس النواب بالمملكة المغربية أن أشارككم افتتاح أشغال الدورة الثانية لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي للمنطقة الأورومتوسطية والخليج شاكرا للأخ النعم ميارة دعوته مجلس النواب للمشاركة في هذه الدورة التي ستشكل دون شك إطارا لنقاش غني حول قضايا ذات راهنية كبرى في السياق الدولي الحالي، وبالنسبة لمنطقتيْ حوض المتوسط والخليج العربي.
وينعقد هذا المنتدى في سياق إقليمي ودولي يتسم، مع كامل الأسف، بتفاقم النزاعات والأزمات في المنطقة واتساعها جغرافيا واحتدامها، مع كل الخسائر البشرية الفادحة والتداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنتج عنها.
فالحرب على غزة وأعمال القتل والتهجير التي تستهدف المدنيين ليست سوى النتيجة الحتمية لواقع الاحتلال وللظلم التاريخي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ 76 سنة. وبدون أفق سياسي للصراع في الشرق الأوسط، ودون تدخل حاسم وحازم من جانب المجموعة الدولية، سيظل النزاع في الشرق الأوسط مولدا للأزمات في المنطقة وما حولها من جغرافيا، ومعرقلا للتنمية وللرخاء المشترك الذي نتوخاه جميعًا. وستظل دوامة العنف مدمرة لكل الآمال التي تحذو شعوب المنطقة من أجل التعايش السلمي.
وإذا كانت منطقة الخليج العربي، وعلى الأقل بلدانها الشقيقة الست، قد خطت خطوات كبرى في اتجاه التعاون والتفاهم والاتحاد في مواجهة الأزمات والتدخلات الخارجية، فإن منطقة حوض المتوسط ما تزال الفضاء الذي تتراكم فيه أكبر كميات من السلاح، وحولها تندلع أَعْقَدُ الأزمات وأكثرها امتدادا مع كل التداعيات البشرية والاقتصادية التي تنجم عن ذلك. فالهجرات والنزوح واللجوء والمآسي التي تنجم عنها هي في جزء منها نتيجة حتمية للحروب والنزاعات، وغياب الأمن، وهي عواملُ تنضاف إلى انعكاسات الاختلالات المناخية الجاثمة تصحرا وجفافا وتراجعا للفضاءات الغابوية وندرة المياه، على المنطقة المتوسطية.
على خلفية هذه الأوضاع، وفي سياقها، ينعقد هذا المنتدى الذي تخصصونه بالأساس لمحوريْ التحول إلى الطاقة الخضراء، ودعم ريادة الأعمال والمقاولات العاملة في المجال. إن الأمر لا يتعلق فقط بواحدة من الأجوبة الأساس على إشكاليات ندرة الطاقة وارتفاع أسعارها، ولكن بتحقيق عدد من الرهانات الكونية التي على منطقتيْنا : حوض المتوسط والخليج، ربحها لتكون رافدا في العمل الدولي الجماعي من أجل إنقاذ الكوكب الأرضي، والتي يمكن إجمال عناوينها في ما يلي :
يتعلق الرهان الأول بالمساهمة في خفض انبعاثات الغازات المسببة لاحترار الأرض على الأقل وفق ما حصل الاتفاق بشأنه في مؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المناخ (باريس – مراكش – بون – شرم الشيخ – دبي). ويتعلق الأمر بمسؤولية سياسية وأخلاقية إزاء الاستدامة وإزاء الأجيال المقبلة.
ويتعلق الرهان الثاني بجعل التحول إلى الطاقة الخضراء في قلب الانتقال إلى اقتصاد أخضر بما يُطلقه من ديناميات وما يوفره من فرص استثمار وتشغيل وابتكارات تُيَّسِر الحياة.
ويتعلق الرهان الثالث بخفض الإنفاق الذي يتطلبه استعمال الطاقات التقليدية وكلفتها على الميزانيات العمومية وكلفة الإنتاج وانعكاس ذلك على أسعار مختلف المواد والخدمات، والتي ينعكس ارتفاعها، في عدة حالات، على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
أما الرهان الرابع، فهو رهان عرضاني، ويتعلق بتحقيق التنمية المستدامة من خلال الاستغلال العقلاني للموارد الطبيعية، في البر كما في البحر، وتيسير انتظام الدورات الطبيعية والتوازن البيئي، وتوفير بيئة سليمة للتعمير وجعل المدن والتجمعات الحضرية قابلة للحياة ومستجيبة للضغط السكاني ولحاجيات التنقل.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
قد يبدو الأمر متيسرا، ونحن نخطط لتحقيق هذه الرهانات، ولكن قد لا يتيسر عند الإنجاز والتنفيذ حيث تواجهنا عدة صعوبات وتحديات، لن تستقيم مواجهتها سوى بالعمل الجماعي وبالتضامن، وأساسا بتوفر الإرادة السياسية الجماعية.
في مقدمة هذه التحديات تقف ندرةُ الموارد المالية ومصادر تمويل المشاريع الخضراء عائقا كبيرا أمام تحقيق العديد من الطموحات والتطلعات. وعلى الرغم من إطلاق عدة آليات من أجل مقاومة آثار الاختلالات المناخية، وفي مقدمتها الصندوق الأخضر من أجل المناخ الموجه أصلا لدعم البلدان ذات الهشاشة إزاء الاختلالات المناخية، ودون تيسير الولوج إلى التمويل من جانب الدول المحتاجة وحاملي المشاريع الخواص، ستظل التعاقدات الدولية من أجل التحول إلى الاقتصاد الأخضر، غير ناجعة.
وتتمثل الصعوبة/التحدي الثاني في الولوج إلى التكنولوجيا المستعملة في إنتاج الطاقة من مصادر متجددة بسبب ارتفاع أسعارها وخضوعها لمساطر براءات الاختراع والتشدد في استعمالها مما يَرْهَنُ المشاريع الطموحة.
وتتمثل الصعوبة الثالثة في فرض معايير صارمة من قبيل الخلو من الكربون على المبادلات والبضائع المتأتية من بلدان الجنوب، مما يكبح ديناميات التحول التدريجي إلى الاقتصاد الأخضر.
وأمام هذه التحديات ينبغي لنا، برلمانات ومنظمات برلمانية متعددة الأطراف، الترافع من أجل تيسير نقل التكنولوجيا المستعملة في الاقتصاد والأخضر ورؤوس الأموال والاستثمارات من الشمال والجنوب، بشروط أيسر والسعي إلى إدماجها في الصناعات الوطنية لتكون متاحةً بكلفة مُيَسرة.
ونعتقد أن من شأن الجمع بين هذين العنصرين والمهارات والموارد البشرية التي تتوفر عليها بلدان جنوب وشرق المتوسط والإمكانيات الكبرى التي يتوفر عليها أشقاؤنا في الخليج العربي وما راكمته من خبرات في مجال الطاقة، خلق تحالف بين – جهوي من أجل الاقتصاد الأخضر، يُحَفِّز على إنشاء مزيد من المقاولات، ويُيسر قيامَ مشاريع كبرى منتجة للدخل ومناصب للشغل ومحافظِة على البيئة.
إن الأمر يتعلق، في نهاية المطاف، بإعمال التضامن بين البلدان والشعوب وتقاسم الرخاء، وثمار التكنولوجيا والثروة.
وبالتأكيد فإن ذلك رهين، كما سبق أن أشرت إلى ذلك، بالسلم والاستقرار، وبناء الثقة والتوجه إلى بناء الأمن الجماعي.
وما من شك في أننا جميعنا، ندرك أن الطريق إلى السلم والأمن والتقدم والعيش المشترك يكمن في تمكين شعوب المنطقة من التمتع بأراضيها، وبالسلم، والدول جميعها من حقها في وحدتها الترابية وسلامة أراضيها.
السيدات والسادة،
إن المملكة المغربية التي تستقبلكم اليوم لنفتخر بمنجزِها في مجال الطاقات المنتجَة من مصادر متجددة من طاقة شمسية، وريحية حيث تقف المشاريع المنجزة في مختلف ربوع المملكة شاخصة وشاهدة على الالتزام الثابت بمكافحة أسباب الاختلالات المناخية، وحيث يتم التخطيط لتصبح بلادنا فاعلا دوليا أساسيا في مجال الهيدروجين الأخضر. وإن مما يعطي لهذه المشاريع الصدقية ويكفل لها النجاح هو أنها تخطط وتنجز بتوجيه وقيادة ورعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله.
ومن جهة أخرى تشهد المشاريع الزراعية المحققة في المغرب بفضل الاستراتيجيات المتعاقبة، على التزام المملكة بواصلة الإسهام في الأمن الغذائي الدولي. وكما تعلمون، فإن بلادنا بهذه الخطط وغيرها، منفتحة على الشراكات التي نفخر بأنها تتم مع أشقائنا في الخليج العربي كما مع أصدقائنا في أروبا.
ومن جهة أخرى ينبغي أن نتذكر دومًا، بأن عمق منطقتيْ حوض المتوسط والخليج العربي يكمن في إفريقيا، القارة الواعدة بإمكانياتها في مجال الاقتصاد الأخضر، وهي الإمكانيات التي تحتاج إلى الشراكات والتمويلات لتتحول إلى ثروات تستفيد منها بلدان القارة في إطار منطق رابح-رابح وشراكة متوازنة.
ولست في حاجة إلى التذكير بالالتزام الثابت للمغرب بقيادة صاحب الجلالة نصره الله، من أجل التنمية المستدامة في إفريقيا كما يتجسد ذلك في مشاريع مهيكلة ملموسة، وفي المبادرات الاستراتيجية الطموحة لتنمية القارة التي ينبغي أن تأخد أمر تقدمها بيدها، لعل آخرها المبادرة الأطلسية التي تتوخى اندماجا اقتصاديا افريقيا وتمكن العديد من بلدان القارة من منافد على البحر مع ما يتطلبه ذلك من تجهيزات أساسية استراتيجية ومهيكلة لا شك أن الطاقة ستكون في صلبها.
أشكركم على كريم الإصغاء ، والسلام عليكم ورحمة الله.