أمام أزمة نقص المواد الغذائية..التونسيون يعيشون تحت وطأة التهاب الأسعار وجشع المحتكرين

0

تتواصل بتونس أزمة نقص المواد الأساسية، أو فقدانها في حالات كثيرة، وسط تباين في الآراء حول المتسبب في هذه الأزمة، بين من يرجعها إلى المحتكرين ومن يحمل المسؤولية للدولة.

و مع ارتفاع مخيف ومتواصل للأسعار، وجد التونسيون أنفسهم اليوم بين مطرقة اختفاء السلع الغذائية الأساسية من الأسواق، وفي مقدمتها الزيت والسكر والأرز والدقيق والحليب، وبين سندان الارتفاع المهول في أسعار هذه المواد الأساسية، بما أثر سلبا على قدرتهم الشرائية.

ويرجع خبراء في الاقتصاد بتونس هذه الأزمة إلى الصعوبات المالية التي تعاني منها الدولة، فضلا عن الاضطراب في عمليات التزود في الأسواق المحلية بسبب عدم قدرتها على دفع الفواتير للمزودين الخارجيين.

وفي السياق ذاته، قال الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي، أرام بلحاج في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إن هناك عوامل متداخلة وعديدة، داخلية وخارجية، تسببت بصفة مباشرة في نقص المواد الغذائية وفي أزمة التزود بالمواد الحيوية والأساسية، منها الصعوبات المالية التي تعرفها تونس منذ فترة طويلة.

واعتبر الخبير أن “الدولة ساهمت بشكل كبير في تفاقم الوضع”، إذ لم تف بواجباتها وتعهداتها في ما يتعلق بمنظومة الدعم، وهو ما أدى إلى بروز ظاهرة الاحتكار والمحتكرين الذين أضحوا يتحكمون في تزويد السوق بالسلع الغذائية، بالإضافة الى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على البلاد ”.

كما أن “غياب استراتيجية واضحة للأمن الغذائي” بتونس، يضيف، يستوجب، وفق تعبيره، إجراء إصلاحات وتوفير إمكانيات مادية وبشرية كبرى ونهج حكامة رشيدة، لاسيما في القطاع الفلاحي” ، مشيرا الى أن كل هذه العوامل ” غير متوفرة حاليا”، الأمر الذي أدى إلى حصول نقص هائل في العديد من المواد الأساسية .

وأشار إلى أن الأزمة في “المخزون التعديلي للحليب الذي لم تقم الدولة بمضاعفته، وقعت نتيجة عدم مقاومة تهريب الأبقار إلى دول مجاورة على غرار الجزائر وليبيا، فضلا عن سيطرة بعض المنتجين في غياب سياسة واضحة للدولة وعدم تصديها لغلاء الأعلاف وهو ما ساهم في ارتفاع الأسعار”.

وبالإضافة إلى هذا، يؤكد بلحاج، ارتفعت نسبة التضخم، وهو ما ينعكس سلبا على مستوى عيش المواطنين، بشكل خاص، وعلى الاقتصاد بصفة عامة ”، مشيرا إلى أن هناك أسبابا خارجية ترتبط بارتفاع سعر النفط والحبوب وكل ما تستورده تونس، مع تراجع التصدير، وهو ما قلص من رصيد تونس من العملة الصعبة.

وفي هذا الإطار، ذكر بأن أهم أسباب ارتفاع التضخم تكمن في وجود إشكاليات في الإمدادات مع تدهور سعر الصرف، وهو ما يؤدي إلى ظهور مشاكل كبرى على مستوى الإنتاج (ارتفاع التكلفة) والاستهلاك (تدهور القدرة الشرائية).

وفي معرض حديثه عن الحلول الكفيلة بإخراج البلاد من تداعيات أزمة النقص في المواد الأساسية، شدد الخبير على أهمية وجود رؤية واضحة وإرادة سياسية من اجل تعزيز الأمن الغذائي المرتبط بإعادة التفكير في منظومة الدعم لاسيما دعم المنتج وليس المنتوج.

ودعا الى ضرورة اعتماد مقاربة تعتمد توفير استراتيجيات لتغطية للمنتج حتى لا يتضرر عند ارتفاع الأسعار عالميا، على سبيل المثال، معتبرا أن تحقيق الأمن الغذائي بصفة عامة يقترن بمدى تحديث القطاع الفلاحي عبر إعادة النظر في منظومة التكوين.

يشار الى أن نسبة التضخم في تونس بلغت 10.1 خلال السنة الحالية (وهو الأعلى منذ 40 عاما) ، وذلك وفق بيانات إحصائية رسمية نشرها المعهد الوطني التونسي للإحصاء.

وفي ذات الاتجاه، اعتبر رئيس منظمة (إرشاد المستهلك)، لطفي الرياحي، في تصريحات صحفية، أن منظومة المحتكرين بتونس، والتي انتهت مع قرارات 25 يوليوز2021 ، ”تحاول” اليوم أن تفتعل حربا في الساحة الاقتصادية عبر المضاربة وإشعال الأسعار واحتكار المواد الغذائية مستغلة ضعف الإطار القانوني الذي ينظم تجارة المواد الغذائية’.

ووفق هذا المسؤول تسمح بعض الثغرات القانونية في إطار تحرير الأسعار للفضاءات التجارية الكبرى بالتحكم في أسعار المواد وتضخيمها، مبرزا أن هذه الثغرات القانونية تسمح، أيضا، باستعمال المواد المدعمة الموجهة لاستهلاك المواطن في قطاع الصناعة، وهو ما يتطلب وفق رأيه قوانين أكثر دقة تخص هوامش الربح في كل مراحل الإنتاج وتضبط مسالك التوزيع.

ويرى أن “أزمة” فقدان الدقيق والزيت وغيرها من المواد الغذائية من الأسواق تسببت فيها المضاربة وجاءت على خلفية المناورات السياسية في البلاد، مشيرا إلى “تواطؤ رجال أعمال فاسدين رافضين للمحاسبة مع المنظومة السياسية السابقة من أجل محاربة مسار الإصلاح حيث قاموا باستعمال سلاح التحكم في تزويد الأسواق بالمواد الغذائية محاولين خلق أزمة اجتماعية وإثارة احتجاجات المواطنين”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.