طالع السعود الأطلسي…القرار الأممي يطارد القيادة الجزائرية

0

القوى الدولية المؤثرة في القرار الدولي، “شمرت” على عزمها لفرض الحل السلمي للنزاع حول الصحراء المغربية… عبر قرارات مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، وبالأخص القرارين الأخيرين، وأهمهما القرار 2654 لنهاية أكتوبر الماضي… حل قاعدته مائدة مستديرة، تجمع الأطراف الأربعة المعنية بالنزاع، للتفاوض حول مقترح الحكم الذاتي المغربي، وهو المقترح الوحيد الموجود على المائدة، والذي يوصف بالجدي و ذو المصداقية، والذي يسمح بالتوصل إلى حل واقعي دائم ومتوافق عليه.

القيادة الجزائرية لا يمكنها، بعد القرار الأممي، أن ترفض المشاركة في المائدة المستديرة، أو أن تزعم بأنها ليست طرفا في النزاع، كما لم يعد يجديها أن تردد بأن الحل هو “استفتاء تقرير المصير”… كل تلك الادعاءات المتآكلة، منذ سنوات، فقدت صلاحية ترويجها، في الفضاء الديبلوماسي بقوة القرار الأممي… لقد باتت تلك القيادة خائرة الفعل في مواجهة مجلس الأمن… وهي وحدها، المطلوب منها أن تتجاوب مع قراره… والمغرب اليوم متواري خلف قرار ذلك المجلس، بعد أن أسهم، عبر مقترحه الجدي، و قد صادف تجاوبا دوليا واسعا و نوعيا، في بلورة دفتر تحملات دولي لحل النزاع… والسؤال الآن هو ماذا بعد القرار… ما هي احتمالات تصرفات القيادة الجزائرية إزاء القناعة الدولية، الصارمة والحاسمة…

المتوقع والمحتمل جدا هو تعنت القيادة الجزائرية في التجاوب مع القرار الدولي، واستمرارها في التهرب من المسؤوليات التي يفرضها عليها، على الأقل في الزمن المنظور… هي قيادة مشكلة من جنرالات الحرس القديم لما قبل عهد عبد العزيز بوتفليقة… من تلاميذ هواري بومدين، والذين شبوا وسادوا مع الشاذلي بنجديد… ولهم على الجيش سطوة، وهم فيه حماة نفوذه ورعاة مصالح شبكة من الجنرالات الكبار، في استدرار المنافع من إدارة الشأن العام الجزائري… هم ثلة من مدمني العداء للمغرب… عداء هو الهواء الذي يتنفسونه، بل هو “هواهم”… عداء يوفر لهم مسوغات تنفذهم في النظام، وانفرادهم بإدارة دواليبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية… ولهذا هم، جينيا ومطلقا ضد المغرب… يريدونه عدوا دائما، أو فزاعة دائمة، يرهبون به الشعب الجزائري… ويقدمون أنفسهم له، باعتبارهم المدافعون عنه، وهم الدرع الواقي من “الخطر المغربي”… ولهذا لا يخدمهم حل النزاع حول الصحراء المغربية، ولا تفيدهم علاقات الأخوة والتضامن والتعاون مع المغرب… ولهذا يصمون آذانهم عن النداءات الملكية الأخوية والسلمية… لديهم حساسية من المياه والأجواء الصافية وتنعشهم وتغذيهم الأجواء والمياه العكرة.

تلك الطغمة من الجنرالات المشكلة من خالد نزار، والذي نودي عليه من منفاه الفرنسي ليخصص له استقبال رئاسي، وليقود خلية القيادة الفعلية للدولة… والجنرال مدين (توفيق) رمز الجبروت الأممي، والذي أطلق سراحه، بدون محاكمة، لينضم للخلية الحاكمة… والجنرال عبد العزيز جبار، وهو واحد من كبار قادة الاستخبارات، والذي أخرج من السجن ليدخل، منتصرا، الغرفة الضيقة والمعتمة لإدارة البلاد… أما الجنرال سعيد شنقريحة فهو، بين أولائك، مجرد مكلف بمهمة قيادة أركان الجيش، وله وظيفة إعلام الرئيس، المنتدب للجزائر، عبد المجيد تبون، بما تقرره خلية القيادة العسكرية الفعلية… تلك القيادة، أولا وأخيرا، لا تريد حل نزاع الصحراء، ولا تريد السلم مع المغرب، وهي غير قادرة على الحرب معه… وضع، لا حرب ولا سلم، يفيدها… أو هكذا تعتقد…

القرار الأممي ليس مجرد بيان إعلان نوايا لجمعية إنسانية دولية، أو ملتمس أخوي لتجاوز خلاف عارض بين دولتين… إنه تراكم لمتابعة دولية، جدية وعلى مدى عقود، لمنازعة في مغربية الصحراء… تراكم وصل الآن إلى إنتاج عزم دولي على حل النزاع بالمفاوضات بين أطرافه الأربعة… بعد أن تبين للمنتظم الدولي استحالة إجراء الاستفتاء لتقرير المصير…كما صرح بذلك جيمس بيكر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، و ذلك قبل حوالي عقدين من اليوم. و كان أن توصل مجلس الأمن بالمقترح المغربي الرامي لتمتيع ساكنة الصحراء المغربية بالحكم الذاتي… المقترح الذي أرسى جسرا قويا للخروج من وضع الانسداد في النزاع إلى رحابة آفاق الحل السلمي…. هكذا نضج العزم لدى المنتظم الدولي، لكي يفرض على الطرف المتعنت ولوج الجسر المفتوح أمامه… ولوجه بقوة الإرادة الدولية على فرض الحل السلمي… ولا تملك القيادة الجزائرية خيارا آخر سوى الامتثال للعزم الدولي… قد تتلكأ وقد تماطل… على أمل أن يحدث في أوضاع المنطقة، أو في مواقف الدول المتابعة للنزاع ما يلين الموقف الدولي… وهو ما دأبت عليه في السنوات الماضية… ولكن المنتظم الدولي لم يكترث بذلك، و صعد من حدة صرامته تجاه جهة العرقلة في المضي نحو الحل السلمي… وسنة بعد أخرى توالت قرارات مجلس نحو المزيد من الوضوح في العزم الدولي على فرض الحل السلمي… واليوم أيضا لن ينفع قيادة الجزائر لا تثاؤبها ولا تباكيها ولا ممانعاتها في التملص من وجوب الانصياع للقرار الدولي… لقد هب عليها ولن تزيدها معاكسة مجراه إلا ضيقا في “التنفس” وتصدعا في البنيان… آثار قرارات مجلس الأمن، وآخرها أهمها وأوضحها، على القيادة الجزائرية لن تصيبها فقط من جهة العزم الدولي على فرض الحل السلمي…. آثار تلك القرارات في وارد أن تتناسل من داخلها ومن داخل ملحقتها وأداتها في عداء المغرب، منظمة البوليساريو.

جنرالات الصف الثاني والصف الثالث في النظام الجزائري لن يبقوا صاغرين… وقد بدأ يسمع لهم تأففهم وتبرمهم من ضغط القيادة عليهم… خاصة وهي غير نظامية، مستولية على السلطة، هرمة وثقافتها السياسية والعسكرية بالية… قيادة الصفوف ما تحت خلية الجنرالات الحاكمة، لن تهضم الهزيمة الديبلوماسية لقيادتها، وهي ترعى قضية خاسرة، مفتعلة و دوانية، ولا تؤمن للعسكري الأصيل شرف الدفاع عن وطنه… قيادتهم تزج بهم في وضع يطعن كبرياءهم العسكري… ويرون في القرار الأممي طوق نجاة للعبور نحو فضاء مشرف للجزائر ولهم… وها هي زيارات رئيس الأركان والتي بدأها قبل يومين للنواحي العسكرية، بدأ من الناحية الرابعة، دالة على هلعه، وزملاؤه، من تدني الروح المعنوية لدى الجيش، وفي المقدمة ضباطه الكبار… وسيقوم شرنقريحة، كعادته، بإلقاء خطابات “المارش العسكري” أملا في تسخين المعنويات، عبر التذكير بمركزية الجيش في النظام الجزائري… ومحاولة منه لوقف عدوى انتشار الغضب في نفوس شباب الجيش بخاصة… غضب من تردي الأوضاع المعيشية ومن سوء التدبير السياسي، وضمنه الديبلوماسي، للبلاد… وغضب من قيادة تتوغل في الانفصال عن جيشها…

إعصار القرار الأممي ماضي في زلزلة “تجمع” البوليساريو… ليجرد القيادة العسكرية الجزائرية من “منصة” إطلاق عدائها ضد المغرب… تعابير الغضب من القيادة وممارسة الاحتجاج عليها، باتت علنية في تندوف… كما هو قمعها علني… والقمع هو ما أبقى تلك القيادة في موقعها، حاكمة، ومستفيدة، وهي أقلية في مواجهة أغلبية الساكنة هناك، والتي تعيش قساوة الأوضاع في المخيمات… وتلاحظ تنعم القيادة ومحيطها وأعوانها بالرعاية الجزائرية لها، في المخيمات وفي الخارج… القرار الأممي أجج الغضب في المخيمات… من جهة أنه نمى النقاش السياسي العام حول المصير…بعد حولي خمسين سنة من التيه والأوهام… ومن جهة أخرى كشف خضوع قيادة البوليساريو إلى الإدارة العسكرية الجزائرية، والتي ترفض التفاعل مع فرصة، وبخاتم دولي، لاقتحام أمل بتغيير أوضاعها… وها هي اليوم، أصوات من داخل المخيمات ومن داخل القيادة نفسها، ترتفع للمطالبة بالتعاطي مع مقترح الحكم الذاتي… وحوالي ذلك بدأت حركات تتشكل… وقد كانت أولاها “خط الشهيد”، وبعدها تحركات فردية، وصولا، اليوم، إلى “الحركة من أجل السلام”… إنه شباب البوليساريو، على صلة بذويه في الأقاليم الجنوبية المغربية، وعبرهم يتابع النقلات النوعية في تنميتها… وهو يتابع ما يجري في العالم من نفور من الانفصال، وأيضا هو يفكر، ويحدوه الأمل في حياة لها مواصفات الحياة… والقرار الأممي يفتح شهيته للتقدم بأمله نحو التحقق… قيادة البوليساريو لن “تصمد” كثيرا أمام مد التغيير الجارف داخلها وحواليها…

المغرب منصرف لتنمية الأقاليم الجنوبية المغربية، ضمن انكبابه على تطوير مساره التنموي الوطني… حل النزاع حول الصحراء المغربية وفرض الحل السلمي، هو الآن مسؤولية دولية وقرار أممي… وليس للقيادة الجزائرية من خيار غير التجاوب معه، إراديا… أو سيسري القرار بمفاعيله وتداعياته، الداخلية منها أو الخارجية، لكي يزيح كوابح ومعيقات تقدمه نحو تحقيق السلم في هذه المنطقة، عبر المقترح السلمي المغربي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.