أسوأ وأبأس وأسخف شيء يمكن أن يصل إليه نظام سياسي شمولي منغلق، على غرار النظام العسكري في الجزائر، هو أن ينتقم من بلد جار وينفث حقده ورعونته وعداءه وسمومه وغله، شتى الطرق، وعبر كل الوسائل. ويستغل كل المناسبات والسياقات، منسوبه العالي من الضغينة. كما حصل خلال استقبال وزير الخارجية المغربي السيد ناصر بوريطة الذي أراد رمطان لعمامرة أن يقزمه ويلغيه تماما ضاربا بذلك الأعراف الدبلوماسية عرض الحائط.
ومؤلم جدا ما جرى لأطقم صحافية من القناة الأولى والقناة الثانية المغربيتين في الجزائر، حيث تم احتجازهم في مطار هواري بومدين وصودرت معداتهم ومنعوا من تغطية أشغال التحضير للقمة العربية. التي أطلق عليها قمة لم الشمل وإعادة اللحمة الى الصف العربي كما يروج النظام الجزائري ووسائل إعلامه.
هؤلاء المغاربة ينتمون إلى بلد جار، كان من المفروض الترحيب بهم وحمايتهم، وضمان الأمن لهم، والتعامل معهم بشكل يليق بهم. لا أن نترك في أذهانهم وذاكرتهم، تلك المشاهد المدانة بكل اللغات والأشكال.
وهنا يجب أن نسأل النخب الجزائرية، والتنظيمات المهنية وبعض من يعتبرون أنفسهم حكماء وعقلاء في الجار الشرقي. هل تقبلون بما حدث؟ وهل يتحمل الموقف مزيدا من الصمت والتزام الحياد السلبي؟ هل وصل بكم الأمر إلى الإضراب عن الكلام والسكوت عن قول الحق خشية التعرض لمكروه من طرف النظام الجزائري؟
يا جماعة، لا نطلب منكم الدفاع عن المغرب ومدحه وتمجيده. فقط قولوا كلمة ما معنى التغول على صحافيين أبرياء وترهبيهم والتعامل معهم بشكل تمييزي، يعكس سلوكا موغلا في العداء والحقد والتخلف. ومتناقض مع أدبيات واخلاق كل القمم العربية والإفريقية والدولية .وهنا لابد أن نتساءل أيضا عن الدور الذي من المفروض أن تقوم به جامعة الدول العربية تجاه الصحافيين النغاربة لضمان حقهم في تغطية أشغال قمة ترعاها الجامعة وعلى السيد احمد ابو الغيط أمينها العام. ألا يسكت على هذا التصرف غير المبرر والذي يتنافى مع كل الشعارات التي تؤثث أجواء القمة.
كلما حاولنا تجاوز التشنجات، وغض البصر عن الحروب الإعلامية والنفسية، والسب والشتم والضربات القاصمة والطعنات الغادرة، والهيجان والاندفاع الدبلوماسي المسعور. إلا وأمعن وتمادى النظام الجزائري، ومختلف أذرعه ومؤسساته، في التصعيد وتوتير الأجواء، وتطبيق استراتيجية الأرض المحروقة وتحريض الشعب الجزائري، لتستفحل عنده عقدة الكراهية، وتتضخم لديه مشاعر العداء صوب المغرب بكل مكوناته.
أقولها بكل صراحة ودون لف ودوران: إن الجزائر تريد سحق المغرب بكل الوسائل. ومستعدة لارتكاب الحماقات وركوب المغامرات. فالتهور والشعور بالقوة الزائدة، وتداعيات الحرب الروسية -الأوكرانية، التي ضخت ملايير الدولارات في خزينة السيستم الجزائري، بفضل ارتفاع أسعار الغاز والبترول، والرغبة في الانتقام من عقد كثيرة، تمتد عميقا في التاريخ والثأر لسنوات الشلل الدبلوماسي، خلال العشرية الأخيرة من حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة. كلها عوامل وعناصر تفسر مجتمعة العقيدة العدائية التي ينهجها النظام الجزائري تجاه المغرب.
وإذا كان الأمر كذلك. فعن أي قمة عربية يتحدث النظام الجزائري؟ هل يصدق عاقل، ما تروجه الدبلوماسية الجزائرية، وأبواق الإعلام المغلوب على أمره. كون القمة التي تنطلق اشغالها غدا ، ستكون قمة لم الشمل، وتوحيد الصفوف، وتنقية النفوس من الضغائن والأحقاد.!؟ كيف يمكن أن يؤمن أي شخص، يمتلك قدرا صغيرا من التفكير المنطقي بهذه الشعارات والاوهام؟
ولنفترض أن كل الوفود ستحضر القمة لإضفاء شرعية شكلية عليها إرضاء للنظام الجزائري. فإن الجوهر لن يتغير والأجندة ستظل هي هي.
إذا لم يتخل النظام الجزائري، عن معاداته لكل ما هو مغربي، وإذا لم يطلق إشارات إيجابية يمكن أن تسهم في تليين المواقف وتنقية الأجواء وتلطيفها. ولم الشمل يبدأ بالإحسان الى الجار والتواصل معه وليس السعي بشكل متعجرف إلى إذلاله وتبخيسه وتجاهله.