د. الحسن عبيابة: “فرنسا من دولة عظمى إلى دولة فقدت توازنها السياسي”

0

ويصنف التقرير المذكور الولايات المتحدة بأنها القوة الاقتصادية والعسكرية الأكثر هيمنة وتأثيرا في العالم، لكن الملاحظ في هذا التصنيف، هو بروز دولتين عربيتين ضمن قائمة أقوى 20 دولة في العالم، وهما السعودية التي احتلت، لأول مرة في هذا التصنيف، المركز 11، تأتي بعدها دولة الإمارات العربية المتحدة التي جاءت في المرتبة 14، بينما احتلت قطر المرتبة 21، ويعتمد هذا التصنيف معايير محددة منها:
. قوة النظام العسكري والدفاعي
. التأثير في السياسات الاقتصادية التي تهيمن على العالم
. الاستقرار السياسي، وقوة الاقتصاد،
. ميزانية الدفاع ونوعية الأسلحة التي تملكها الدولة،
. التحالفات العالمية، القوة الناعمة والقوة العسكرية.
كما يلاحظ في التصنيف أن الصين جاءت في المرتبة الثانية متفوقة على روسيا، وأصبحت منافسة للولايات المتحدة الأمريكية على المرتبة الأولى، بينما تأتي روسيا بعد الصين في المرتبة الثالثة، ويلاحظ أيضا أن الهند تقدمت على فرنسا وألمانيا، في حين احتلت اليابان المرتبة الثامنة، وبذلك تقدمت على كوريا الجنوبية في المرتبة التاسعة، مع الإشارة إلى أن إسرائيل بدورها احتلت المرتبة العاشرة في قائمة أقوى الدول في العالم لسنة 2021.
يمكن من خلال تحليل هذه المعطيات من الناحية الجيوسياسية للدول التي تحتل المراكزالـ11 الأولى في هذا التصنيف ولها أكثر من 80% من إمكانية تحديد القرارات الدولية، نستنتج ما يلي:
. أنه لا يحق لأي دولة أن تصنف نفسها على أنها قوة عظيمة، لكن الجهات المختصة المعتمدة هي التي تصنف الدول حسب معايير موضوعية محددة
. أنه من مجموع دول قارة أمريكا الشمالية والجنوبية والوسط توحد فيها دولة واحدة قوية ومؤثرة، وهي الولايات المتحدة الأميركية
. أن مجموع دول قارة آسيا تضم 7 دول وهي (الصين، الهند، روسيا، اليابان، كوريا الجنوبية، إسرائيل، السعودية)،
. في حين أن الدول الأوروبية لا توجد منها فقط سوى 3 دول فقط، مما يعني تراجع العديد من الدول الأوروبية في التصنيفات الدولية، وحتى المصنفة منها، لولا وجودها في مجلس الأمن كأعضاء دائمين لأختفت من إحتلال المراكز المتقدمة في الترتيب، وبالرجوع إلى تشكيل المحاور الجيوسياسية الجديدة، نجد أن المغرب دخل في محور جيوسياسي مهم مع الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل، ودول الخليج، وله علاقة جيدة مع الصين واليابان والهند، وهذه الدول قوة فاعلة من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية.

وهذا ما جعل بعض دول الإتحاد الأوروبي تنجعز من وجود المغرب في هذا التكتل الاقتصادي والإستراتيجي، وخاصة فرنسا، التي تراجعت كقوة اقتصادية وعسكرية أوروبيا وإقليميًا ودوليا، وقد تفوقت الهند على فرنسا واحتلت مكانتها، في التصنيف الدولي، كما أن تواجد المغرب بقوة في دول الساحل الإفريقي وفي إفريقيا بصفة عامة، جعل من فرنسا غير مرغوب فيها إفريقيا، وقد تعالت أصوات في القارة السمراء تطالب فرنسا بالكف عن التدخل في إفريقيا وفي شؤونها واستنزاف خيراتها، كما أن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون نجح بأصوات المعارضة في الولاية الثانية التي رفضت التصويت على مارين لوبين، ويواجه الآن معارضة قوية جعلته ضعيفا،
على المستوى الداخلي ، وبالتالي فهو يتوجه إلى خلق مواقف خارجية للاستهلاك الداخلي، كما أن فرنسا أصبحت غير محترمة من طرف العديد من الدول، فتركيا مثلا هددت فرنسا أكثر من مرة، وكذلك فعل الرئيس الروسي، كما أن سياسة الرئيس الفرنسي أدت إلى تفوق تركيا روسيا والصين دوليا على المستوى النفوذ الدولي، ولم يبقى لفرنسا سوى الدول الضعيفة التي تملك مفاتيحها عن طريق الفضائح المالية والأخلاقية، مثل الجزائر التي تصنف من الدول المهددة بالمجاعة وتدهور الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى تونس التي فقدت مصداقيتها سياديا وسياسيا وإقتصاديا، ونتيجة لضعف فرنسا حاليا، فقد استنجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقوية النفوذ الدولي لفرنسا بوسائل الإعلام العمومية الفرنسية فرانس 24 و RFI، ما فضح هذه القنوات التي تدعي الحيادية والمهنية، وجعل جمعيات الصحفيين لقناة فرانس 24 التلفزيونية، عبر بيان لها، تتبرأ من ما صرح به رئيس فرنسا، لأن هذه المؤسسات الإعلامية ستفقد مصداقيتها محليا ودوليا، ونحن في المغرب لنا ما يكفي من القوة والمناعة لمواجهة أي هجوم إعلامي وسياسي، لأن جبهتنا الداخلية متماسكة، أما عن التشويش المبتذل الذي تقوم به بعض الجهات الفرنسية وغيرها ضد المغرب وضد مقدساتنا ومؤسساتنا، من خلال تسريب معلومات أو أشرطة مفبركة، فهو أسلوب الضعفاء، وتم استخدامه خلال فترة من الزمن وثبت أنه غير مجدي مع دولة قوية ومتماسكة مثل المغرب، لأن القوة الدولية الفاعلة هي تلك التي تملك القدرة المالية والعسكرية، وتملك ما تعطي، وتملك ما تحمي به الآخرين أو تساعدهم وليست القوة بشيء آخر.

وزير سابق ، أستاذ التعليم العالي ، ومدير “مركز ابن بطوطة للدراسات”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.