جنوب إفريقيا:خسائر اجتماعية ثقيلة لأزمة سياسية واقتصادية متجذرة

0

أدت الأزمة الاقتصادية التي تغوص فيها جنوب إفريقيا، وسط حالة من الضبابية السياسية، إلى تفاقم مظاهر العجز الاجتماعي، لاسيما من خلال تزايد معدل البطالة والفقر الذي يزحف تدريجيا.
وفي الواقع، يسير الاقتصاد الجنوب إفريقي، منذ عدة أشهر، بوتيرة بطيئة مع معدل نمو ضئيل للغاية، مما يلقي بظلاله على الآفاق المستقبلية لهذه القوة الاقتصادية القارية.
ووفقا للبنك المركزي الجنوب- إفريقي والبنك الدولي، فمن شأن اقتصاد بلاد قوس قزح، التي انخرطت في منحى تنازلي منذ الركود الكبير في 2008- 2009، تسجيل نمو قدره 0,7 بالمائة خلال السنة الجارية.
ويبقى هذا المعدل مثيرا للقلق، لاسيما وأنه يعقد جهود السلطات الجنوب إفريقية للحد من البطالة وتقليص الفوارق الاجتماعية التي تزداد حدة في البلاد، بعد مرور أزيد من 20 عاما عن انتهاء نظام الفصل العنصري.
وتظهر أرقام رسمية نشرت مؤخرا أن واحدا من بين كل مواطنين جنوب إفريقيين اثنين يعيش تحت خط الفقر، أي 30 مليون نسمة في هذا البلد الذي يبلغ تعداد ساكنته 56 مليون نسمة.
ويتعلق الأمر بحقيقة مرة كشفت عنها المعطيات الصادرة عن الهيئة الرسمية للإحصاء التي تشير إلى أن عدد سكان جنوب إفريقيا الذين يعيشون في فقر مدقع ارتفع بكيفية مثيرة للقلق بين 2011 و2015 ليصل إلى 55 بالمائة من الساكنة.
وأوضحت الهيئة أن الغالبية الساحقة من هؤلاء الأشخاص تنتمي للغالبية السوداء، مشيرة إلى أن ثلاثة من بين خمسة جنوب إفريقيين سود يعيشون في الفقر.
وتكاد تكون هذه الآفة منعدمة تماما في صفوف الأقلية البيضاء، وفقا للهيئة التي تصف في خلاصتها الواقعا المتجذر لاستمرار وحتى توسع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بعد مرور أزيد من عقدين على انتهاء نظام الفصل العنصري.
ويرى المحللون أن خلاصات الهيئة الرسمية للإحصاء تحيل على فشل سياسة الحكومة التي يقودها المؤتمر الوطني الإفريقي، محذرين من الوقع السياسي لتفاقم العجز الاجتماعي الذي تعاني منه جنوب إفريقيا.
ويعتبر المحللون أن المناخ الحالي للتباطؤ الاقتصادي والضبابية السياسية المرتبطة بالانقسامات داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، يقوض فرص الحد من الفقر في البلاد بحلول سنة 2030، وفقا للأهداف المسطرة ضمن المخطط الوطني للتنمية.
ويراهن هذا المخطط على معدل نمو سنوي قدره 5 بالمائة على أمل الحد من الفقر.
ويشير المحللون إلى أن المؤتمر ال 54 لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي ينعقد من 16 إلى 20 دجنبر، يمنح فرصة للحزب من أجل تصحيح الأخطاء التي ارتكبت في الماضي ووضع البلاد في مسار كفيل بتقليص مظاهر العجز الاجتماعي الخطير التي تعاني منها.
وهذا يمر- حسب المحللين- بانتخاب زعيم جديد ذي مصداقية قادر على قيادة الحزب والبلاد إلى بر الأمان بعد الانتخابات العامة ل 2019.
ووسط الانتقادات التي تستهدفهت على الصعيد الاجتماعي، تقر حكومة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأن البلاد تواجه أزمة اقتصادية بفاتورة اجتماعية مرتفعة.
ودعت الحكومة في هذا السياق إلى سلسلة من الحلول، بما في ذلك تعزيز روح إنشاء المقاولات الاجتماعية كنموذج للاندماج في المراكز الحضرية.
وتروم هذه المبادرة، التي تستعين بالتكنولوجيات الجديدة للاتصال، على الخصوص، تقليص الفوارق الاجتماعية عن طريق مساعدة سكان الأحياء الفقيرة، الذين لا يتوفر معظمهم على مؤهلات، على إطلاق مشاريع قادرة على إحداث مناصب الشغل والقيمة المضافة.
وبذلك، تأتي هذه المبادرة استجابة لهذا الخلل العميق، ألا وهو التفاوتات الاجتماعية، إذ أن مختلف التحليلات تشير بأصابع الاتهام إلى وضعية اجتماعية متوترة.

وحسب المعهد الجنوب إفريقي للإحصاء، في سنة 2015، كانت الأسر السوداء تكسب في المتوسط أقل من 5000 دولار في السنة، أي خمس مرات أقل من الأسر البيضاء (حوالي 30 ألف دولار سنويا).
وغذى مناخ الفقر والبطالة في 2017، كما في السنوات الأخيرة، انزعاج الجنوب إفريقيين من الأجانب، لاسيما الوافدين من بلدان إفريقية أخرى.
وخيمت موجة عنصرية معادية للأجانب على عدة أجزاء من البلد، خاصة العاصمة بريتوريا التي كانت مسرحا لأعمال عنف ضد المواطنين الأفارقة، المتهمين من طرف الجنوب إفريقيين بسرقة وظائفهم.
وتعرضت مئات المنازل والمحلات التجارية التي يمتلكها الأجانب الأفارقة والآسيويون للنهب والحرق أثناء أعمال الشغب، التي لا تعد الأولى من نوعها في البلاد.
ففي سنة 2008، خلفت أعمال العنف 62 قتيلا في أوساط مجموعات المهاجرين المنحدرين من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
واجتاحت موجة جديدة من العنف البلاد في 2015، مما أسفر عن مقتل نحو 10 أشخاص، من بينهم مواطن إثيوبي أحرق حيا داخل منزله. كما أدت هذه الأعمال إلى نزوح أزيد من 5000 شخص.
ويعتبر المحللون أن تواتر أعمال العنف العنصرية ضد الأجانب في جنوب إفريقيا مس بصورة البلاد على مستوى القارة.
ويؤكد سايمون أليسون، المستشار لدى معهد الدراسات الأمنية الذي يتخذ من بريتوريا مقرا له، أن “سمعة جنوب إفريقيا في القارة تغيرت تغيرا جذريا خلال السنوات الأخيرة”.
ويرى أليسون أن “البلاد لم تعد تعرف بالقيم والأفكار التي أطرت نضالها ضد نظام التفرقة العرقية، بل بالأحرى بالعنصرية المتنامية ضد الأجانب”.

 إعداد: عبد الغني اعويفية

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.