الرأسمال البشري والرقمنة ركيزتان لضمان النجاح

0

في عصر التكنولوجيات الحديثة الذي أصبحت فيه الرقمنة مهيمنة على كل المجالات الحياتية، استطاعت التقنيات الرقمية أن تثبت أهميتها كأداة ناجعة للتحول الاقتصادي والتنموي، لاسيما في سياق وباء نجح في زعزعة الاستقرار على نطاق العالمي، ويبقى هنا السؤال مهما بشأن دور الإنسان في هذا التحول.

ففي فترة أضحى فيها العالم أكثر فأكثر تواصلا، ويواجه فيها ظهور نماذج جديدة صار من الواجب على الشركات والمستخدمين التعامل معها، برهنت التكنولوجيا الرقمية، التي خلقت موجات من التغيير السريع بشكل متزايد، أنها ركيزة ضرورية لاشتغال الاقتصاد.

ومع ذلك، فإن الاقتصاد الرقمي، بكل أبعاده التنموية، يجابه تحديات وتساؤلات مختلفة حول دور الإنسان في هذه الفورة التكنولوجية، علما أن الاثنين يرتبطان ارتباطا وثيقا، ويمثلان معا مفتاح التحول السوسيو – اقتصادي.

ويشكل هذا الموضوع أهمية حاسمة في قلب النسخة السابعة والثلاثين من ملتقى المسير (Carrefour du Manager) التي نظمتها مجموعة المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE مؤخرا في موضوع “الرأسمال البشري في عصر الاقتصاد الرقمي”.

وخلال هذه الدورة من Carrefour du Manager، وهو ملتقى للتشغيل وفضاء للنقاش المفتوح حول محتلف القضايا ذات الصلة، وأيضا لعرض الممارسات الجيدة المختلفة في مجال تدبير الموارد البشرية، أكد وزراء مشاركون في هذه النسخة محورية الإنسان ضمن دورة الاقتصاد، ما يعني ضرورة تحفيزه ودفعه ليكون في صلب التحول الرقمي.

وفي هذا السياق، شدد وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، في مداخلته خلال الملتقى، على أنه لا مفر من الاقتصاد الرقمي بكل ما يحدثه من تغييرات، مبرزا أنه من هنا تأتي ضرورة إيلاء الرأسمال البشري أهمية قصوى، وذلك من خلال مواكبته في هذا التحول الطارئ على العادات، في إطار مناسب يفضي إلى لقاءات وتبادل وإدماج مهني للطلاب وخريجي المدارس العليا.

وأضاف الوزير أنه إن كان صحيحا أنه على مدى عدة مراحل، عندما يكون هناك تطور تكنولوجي، يكون هناك خوف على مناصب الشغل، مستطردا أن الاقتصاد الرقمي يسهم في تقليص عدد مناصب العمل بالطبع، لكنه في الوقت نفسه يخلق وظائف أخرى جديدة، وملحا على أن “التطور التكنولوجي، حتى لو بدا للوهلة الأولى أنه يقصي الوظائف الحالية، فإنه يحدث 10 أضعاف، وهو أمر مثبت تاريخيا، ويجب استيعابه”.

كما لفت إلى أن المغرب لديه صناعة حديثة، أكثر حداثة من البلدان الأخرى، مشيرا إلى أن معظم صناعاتنا نشأت في 4.0، في عصر الروبوتات والصناعة المتصلة، أي في سياق واقع صناعي أكثر حداثة.

ومن جهة أخرى، أشار الوزير إلى أن الشباب لم ينتظروا منا التكنولوجيا الرقمية المناسبة واستخدموها في جميع جوانبها، لكن الشباب تكيفوا بسرعة كبيرة، معتبرا أنه خلال هذا الملتقى، الذي تزامن مع الذكرى الخمسين لتأسيس ISCAE، جرى التأكيد على أن التجارة الالكترونية تشكل أيضا فرصة مواتية.

لقد أدى الوضع الاستثنائي الذي يمر به العالم إلى تغيير الطريقة التي تعمل بها المقاولات بطريقة مستدامة وهامة، فالابتكارات والذكاء الاصطناعي تقود إلى تغييرات جوهرية في أنماط الإنتاج كما أنماط الحياة، بالإضافة إلى النماذج الجديدة التي يجب التعاطي معها على مستويات الشركات والمستخدمين.

ومع ذلك، فإن تأثير التكنولوجيا الرقمية على الاقتصاد يعتمد على المواهب والموارد البشرية في هذا المجال، حيث يعتبر الرأسمال البشري عاملا مسرعا للتحول الرقمي، لا سيما أنه في سياق هذا الوباء، عزز الاقتصاد الرقمي موقعه، وأكد أهميته.

وضمن الملتقى ذاته، أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري أن التحول الرقمي يجلب التغييرات، وأهمها التحول في طبيعة المهام (في العمل)، ولبلوغها يجب تحسين المهارات (تعزيز المهارات الحالية)، وإعادة صقل المهارات عبر تجديدها.

وشدد أيضا على أهمية أن تجد الموارد البشرية منطقة تقاطع بين ما يجب القيام به، وما هو جيد فيه، وما الذي يمكنه تحقيق الدخل.

وأشار الوزير، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بالمناسبة، على أن مسألة الرأسمال البشري والتشغيل تطرحان بحدة، مضيفا أن ريادة الأعمال اليوم ليست خيارا افتراضيا، ولكنها خيار واعد يجلب الأمل.

والرأي نفسه ذهب إليه وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي، الذي شدد على أن المجال الرقمي ناقل للتحولات على المستوى المجتمعي والاقتصادي، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تغيير النماذج، مع الإشارة إلى أن الرقمنة ليست مجرد أداة من أجل التنظيم والاشتغال، ولكن أيضا أداة للإنتاج والابتكار.

وفي هذا الصدد، أشار إلى توصيات النموذج التنموي الجديد الذي جعل من التكنولوجيا الرقمية رافعة للتحول العرضاني وجعلها رهانا للمستقبل لجعل المغرب بلدا رقميا، حيث يتم حشد الإمكانات التحويلية للتقنيات الرقمية بالكامل، بهدف زيادة حصة التكنولوجيا الرقمية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5 في المائة بحلول سنة 2035 مقابل أقل بقليل من 1 في المائة حاليا.

و.مع/ح.ما

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.