انعقدت اليوم الخميس بالرباط، أشغال ورشة تقنية حول موضوع ”المناطق الحضرية التاريخية.. رهانات وإمكانيات التدخل”، وذلك بمبادرة من مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي للرباط، التي تترأسها صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء.
ويندرج تنظيم هذه الورشة في إطار الاحتفال بالذكرى العاشرة لصدور “التوصية الخاصة بالمناظر الحضرية التاريخية”، والتي تم اعتمادها في نونبر 2011، من طرف المؤتمر العام لمنظمة “اليونسكو”. وقد تم افتتاح هذه الاحتفالات يوم 20 ماي، من خلال هذه الورشة التقنية، على أن تتواصل فعالياتها إلى غاية شهر نونبر المقبل.
وفي كلمة بالمناسبة، وبحضور والي جهة الرباط-سلا-القنيطرة، قال وزير الثقافة والشباب والرياضة، السيد عثمان الفردوس، إن مفهوم “المنظر الحضري التاريخي”، وهو مفهوم جديد نسبيا، يتجاوز الحدود المادية للمركز الحضري أو المركز التاريخي من خلال إدراج البعد البيئي المستدام والبعد غير المادي.
وأشار السيد الفردوس، في مداخلة عبر تقنية الفيديو، إلى الأوراش السابقة التي نظمتها المؤسسة، ولاسيما تلك المتعلقة بالبعد التشريعي لحماية التراث والمحافظة عليه.
وفي هذا الصدد، سجل السيد الفردوس أن الوزارة قدمت مشروع قانون جديد حول التراث، لتحيين القانون رقم 22.80 اﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﻤﻨﺎﻇﺮ واﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻤﻨﻘﻮﺷﺔ واﻟﺘﺤﻒ اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻟﻌﺎدﻳﺎت، حيث سيشمل أحكام تأخذ في الاعتبار مفهوم المنظر الحضري التاريخي وجميع التحديات الجديدة التي تواجه المهندسين المعماريين والقيمين على التراث.
وأبرز الوزير الحاجة إلى إعادة قراءة حقيقية لسمات التراث والاستجابات الجماعية للتحديات التي تطرحها هذه المقاربات الحضرية.
من جانبه، قال الأمين العام لمؤسسة المحافظة على التراث الثقافي للرباط، السيد كريم التاجموعتي، إنه من الضروري التفكير في إدراج جميع القيم التراثية والثقافية، وتلك المتعلقة بالمناظر، على نطاق واسع، في استراتيجيات الحفاظ والتنمية الحضرية في مواجهة القيود التي أصبحت أكثر تنوعا.
وفي هذا السياق، يضيف السيد التاجموعتي، تبين أنه من الضروري وضع الأدوات، التي جاءت بها توصيات (يونسكو) المتعلقة بالمنظر الحضري التاريخي، في خدمة الحفاظ على المناطق الحضرية.
وأشار إلى أن هذا اللقاء، الذي يقدم تحليلا قائما على التجارب ودراسات الحالة، سيساهم في فهم متجدد لمفهوم المجموعات التاريخية من خلال مقاربات يكون فيها الإبداع والابتكار أدوات للمصالحة في مواجهة الرهانات المعقدة الناتجة عن التدخلات في موقع التراث.
وسجل الأمين العام للمؤسسة أن مدينة الرباط شهدت مشاريع كبرى أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بهدف الحفاظ على سمات المعالم والمواقع التاريخية للعاصمة، منذ إدراجها على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
من جهتها، قالت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، السيدة نزهة بوشارب، إن مشاركة الوزارة في هذا الاجتماع تعزز تدخلاتها على المستويات التشغيلية والمؤسساتية والتكوينية.
وبخصوص الجانب المؤسساتي، أوضحت السيدة بوشارب، في تصريح صحفي، أن الأمر يتعلق بإشراك الوكالات الحضرية في تنفيذ مشاريع الحفاظ على التراث، لاسيما تراث مدينة الرباط ، مضيفة أن الوزارة تتدخل على مستوى 51 مدينة للحفاظ على التراث في المدن القديمة من خلال تعبئة ملياري درهم.
وعلى مستوى التكوين، أكدت المسؤولة أن الوزارة تسهر من خلال معاهدها التكوينية على بلورة وحدات مخصصة للحفاظ على التراث.
من جانبه، أشار المسؤول عن البرنامج الثقافي بمكتب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في منطقة المغرب الكبير، السيد كريم هنديلي، إلى أن النقاش، الذي سيجري مع المؤسسات المعنية والخبراء، سيركز على عدة قضايا أساسية، منها، كيف يمكننا استخدام التراث كفرصة للتنمية؟ وهل يمكن التوفيق بين التنمية العمرانية والحفاظ على التراث؟.
وأضاف السيد هنديلي “نحتفل خلال 2021 بالذكرى العاشرة لصدور +التوصية الخاصة بالمناظر الحضرية التاريخية+، والتي تمثل أداة معيارية مهمة لللغاية من أجل تعزيز حماية التراث العمراني والمعماري”.
وشكلت هذه الورشة التقنية، التي نظمت بتعاون مع وزارة الثقافة والشباب والرياضة، ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والسكنى وسياسة المدينة، إلى جانب المكتب الممثل لمنظمة (يونسكو) في منطقة المغرب الكبير، والتي ضمت خبراء وطنيين ودوليين، متخصصين في الشأن الحضري ومهندسين معماريين إلى جانب العديد من الفاعلين المؤسساتيين المغاربة والأجانب، فرصة لمناقشة الرهانات والفرص التي يتيحها التدخل في المجالات الحضرية التاريخية.
كما شكلت الورشة، التي ضمت جلستين، منصة للنقاش وتبادل الآراء حول الموضوع، ومكنت من تجاوز الممارسات المتعلقة بالتدبير الحضري والمقتصرة فقط على حماية النسيج، وذلك بفضل مداخلات مختلف المشاركين في الجلستين.
وجرى عرض أدوات جديدة لحماية السمات ذات القيمة التراثية لكل تجمع حضري، وخاصة منها تلك التي تتمتع بقيمة كونية استثنائية لأحد مواقعها، كما هو الحال مع مدينة الرباط.
واستعرض الخبراء المشاركون في هذه الورشة التقنية، تجارب عدد من المدن، من بينها الإسكندرية وبيروت ودكار وتونس وزنجبار، حيث مكنت المداخلات من تحديد مجموعة من التوصيات التي تسمح بالتوفيق بين ضرورات التنمية الحضرية، ومتطلبات حماية التراث التاريخي.
ومنذ إدراج الرباط كموقع تراث عالمي سنة 2012، تم تكريس مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي للرباط، تحت رئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء، كهيئة ذات طابع أفقي لتنسيق العمليات والأنشطة الرامية إلى حماية وتعزيز تراث العاصمة.
وتهدف المؤسسة من خلال أنشطتها إلى استدامة المواقع والموروث ذي القيمة التاريخية والمعمارية والفنية والجمالية سواء المادي واللامادي، المرتبط بكل جوانب التراث الثقافي للرباط، وكذلك ضمان نقل هذا التراث المصنف الذي تزخر به عاصمة المملكة عبر الأجيال.
ومن أجل ضمان هذه المهمة، تسهر المؤسسة على ضمان الالتقائية بين مختلف الفاعلين المعنيين بالحفاظ على التراث، كما تعمل المؤسسة أيضا على التحسيس والرفع من الوعي بأهمية التراث وتعزيز مكانته وتقييم مختلف البرامج المتعلقة بتثمينه والحفاظ عليه.
الحدث.و م ع