المهرجانات السينمائية في المغرب دعامة كبرى لنشر الثقافة السينمائية وتعميمها وتقريبها من الجمهور الواسع

0

على غرار باقي بلدان العالم ، تشكل المهرجانات السينمائية في المغرب دعامة كبرى لنشر الثقافة السينمائية وتعميمها وتقريبها من الجمهور الواسع، باعتبار هذه المهرجانات “الملاذ الوحيد للمشاهدة الجماعية للأفلام” في ظل تقلص مهول في عدد القاعات السينمائية. 
وقد ارتفع عدد المهرجانات السينمائية في المغرب في السنوات الأخيرة إلى أن تجاوز عددها الثمانين، وارتفع عدد التأشيرات الثقافية التي يمنحها المركز السينمائي المغربي ما بين 2003 و2016 بنسبة 3ر18 في المائة حسب مديره صارم الفاسي الفهري.
وفي المقابل، انخفض عدد مرتادي دور السينما، مع استثناءات ظرفية (فيلم “دالاس” لمخرجه المغربي محمد علي المجبود على سبيل المثال جلب لوحده 111 ألف متفرج )، وانخفض طرديا عدد القاعات التي ما زالت تشتغل بالرغم من مواصلة المغرب سياسة تقديم الدعم المالي من أجل إحداث قاعات جديدة وتحديث القاعات الموجودة.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قال الإعلامي والناقد السينمائي أحمد سيجلماسي إن الإنتاج السينمائي بالمغرب شهد سنة 2017 انتعاشة كمية ملحوظة مقارنة مع السنة الماضية وما قبلها ، والدليل على ذلك عدد الأفلام الطويلة المنجزة في السنة الحالية والذي يفوق الثلاثين.
وعزا الفضل في تزايد وتيرة الإنتاج السينمائي المغربي من عشرية لأخرى بالأساس إلى سياسة الدعم التي انتهجها المغرب منذ سنة 1980، وما طرأ على القوانين المنظمة لهذا الدعم من تطورات وتحسينات ، لازال السينمائيون يطالبون بالمزيد منها، وكذا إلى الآلات والتقنيات الرقمية التي يسرت التصوير والتوضيب وباقي العمليات، وقلصت من الكلفة الإجمالية للإنتاج .
واستدرك سيجلماسي، المهتم بتاريخ السينما، قائلا إن “السؤال المطروح هو أين يمكن تصريف هذا المنتوج ليشاهده الناس ، ونحن لا نتوفر إلا على ما يقارب ثلاثين قاعة سينمائية فقط في بعض المدن المغربية القليلة ؟”.
وشدد على أن قطاع السينما بالمغرب في حاجة إلى استراتيجية شمولية تنظر إليه من جميع جوانبه، لأن الأمر يتعلق بسلسلة مترابطة الحلقات . فلا يكفي دعم الإنتاج وإهمال جوانب التوزيع والترويج والقاعات والتكوين والتربية الفنية والثقافية (التربية على الصورة وترسيخ الثقافة السينمائية) وغير ذلك من جوانب العملية السينمائية.
وأبرز أيضا أن أهم دعم يمكن لوزارة الثقافة والاتصال أن تشجع به قطاع السينما هو إعادة النظر في القوانين القديمة المنظمة له ، وإحداث قوانين جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الجديد للمشهد السينمائي والسمعي البصري وطنيا ودوليا ، وتهدف على المدى القصير والمتوسط إلى خلق صناعة سينمائية قائمة الذات.
وقال سيجلماسي إن “مقومات هذه الصناعة السينمائية الأساسية موجودة ، يكفي أن تكون هناك إرادة سياسية صادقة في تنقية القطاع مما يشوبه من طفيليات ووضع ما يكفي من التحفيزات لدفع الرأسمال الوطني والأجنبي إلى الاستثمار فيه”.
وتساءل الناقد المغربي قائلا “إلى متى سيظل الفاعل السينمائي معتمدا على دعم الدولة المادي له ؟ ألا يمكن للقطاع السينمائي ببلادنا أن يصبح مربحا كما هو الشأن في بلدان أخرى بتضافر جهود كل المتدخلين فيه وتكاملها؟”.
وعن مدى صحة القول بانتقال الفرجة السينمائية في المغرب من السينما التجارية إلى سينما المهرجانات، أجاب سيجلماسي قائلا: إن بعض المهرجانات تسهم، في حدود إمكانياتها البشرية والمادية وغيرها، في نشر الثقافة السينمائية عبر عروض الأفلام ومناقشتها وتنظيم الورشات التكوينية والندوات واللقاءات والموائد المستديرة المختلفة التيمات والمواضيع وإصدار الكتب والكاتالوغات وغير ذلك .
وأضاف قائلا إن مهرجانات وتظاهرات سنة 2017 السينمائية “لم تكن كلها ذات مردودية خصوصا على المستوى الثقافي”، موضحا أن هناك مهرجانات وتظاهرات تطغى عليها البهرجة والارتجال ويشرف عليها أشخاص لا علاقة لهم لا بالسينما ولا بثقافتها ، ومن هنا تكون مردوديتها الثقافية والتكوينية والفرجوية شبه منعدمة. 
وفي المقابل، أكد أن بعض المهرجانات القليلة تتميز باحترافية ملحوظة في التنظيم والبرمجة وانتقاء الأفلام والضيوف والمؤطرين والمكرمين ومواضيع الندوات والإصدارات وغير ذلك، مستدلا على ذلك بما يقوم به سينفيليون كبار كأصدقاء السينما بتطوان (مهرجان سينما بلدان البحر الأبيض المتوسط) ومهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف والمهرجان الجامعي الدولي لسينما الشباب بورزازات وأطر الجمعية المغربية لنقاد السينما والجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، ومن بينهم بعض المشرفين على مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة وغيرهم.
وأردف أن المهرجانات السينمائية التي يشرف عليها بالخصوص سينفيليون معروفون تمكنت من إصدار كتب ومجلات مهمة أغنت المكتبة السينمائية الوطنية والعربية والدولية ، ومكنت عشاق السينما من مشاهدة روائع سينمائية وطنية ودولية ومناقشة بعضها بحضور مبدعيها ، كما ساهمت في خلق فرص الاحتكاك والتواصل المثمر مع مبدعين ونقاد وباحثين من مختلف البلدان والآفاق.
وعن دور القطاع الخاص في النهوض بالسينما في المغرب، قال إنه من المفروض أن يشارك هذا القطاع بفاعلية في الإنتاج والتوزيع والاستغلال والتكوين وغير ذلك من جوانب العملية السينمائية، “فالدولة وحدها لا يمكن أن تقوم بكل شيء، إذ أن من واجبها أن تنظم القطاع قانونيا لحماية مصالح كل المتدخلين، وأن تنسق بين كل الفاعلين لما فيه مصلحة القطاع والعاملين فيه” .
ورأى أن سبل التشجيع على الاستثمار في مختلف مرافق السينما كثيرة، من بينها الإعفاء الضريبي والتقنين المضبوط للممارسة السينمائية في مختلف أبعادها، وخلق جسور تعاون متين ومثمر بين صناع السينما ومروجي منتجاتها داخل القاعات والمهرجانات والتلفزيونات وغير ذلك، وكذا بالخصوص تربية الأجيال منذ مراحل التعليم الأولية على التعامل بإيجابية مع الصورة ومختلف الفنون الأخرى.
دوليا، يسعى المركز السينمائي المغربي إلى التعريف بالسينما المغربية في الخارج من خلال المشاركة المكثفة للأفلام المغربية أو حلولها ضيف شرف على مهرجانات دولية مرموقة (مهرجان كان السينمائي بفرنسا، مهرجان برلين الدولي بألمانيا، مهرجان مالمو للسينما العربية بالسويد، ومهرجان دبي السينمائي الدولي…).
وتم توقيع اتفاقيات شراكة مع مجموعة من البلدان الصديقة والشقيقة من العالم العربي وإفريقيا، لكن “جلها لم تفعل، وظلت حبرا على ورق باستثناء بعض الأنشطة السينمائية هنا وهناك لم تتوج في الغالب بإنتاجات سينمائية مشتركة” حسب السيد سيجلماسي.
ولعل من شأن صدور النصوص التطبيقية للإجراءات المدعمة للإنتاجات الأجنبية للسمعي البصري والسينما ، التي تضمنها قانون المالية لسنة 2016، أن يحقق ارتفاعا ملموسا في عدد الإنتاجات الأجنبية التي يستقبلها المغرب.

ح/م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.