يونس أكريم: لاتزال الديون المتعثرة تلقي بثقلها على حصيلة البنوك إلى درجة صارت معها بمثابة كابوس للقطاع الذي يعاني من زيادة مقلقة في نسبة الخسارة، في سياق تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وضع كهذا يحظى بالاهتمام من لدن (بنك المغرب)، الذي يشرف على تنظيم القطاع، والذي يعكف حاليا على مشروع إحداث هيئة مكلفة بالديون المتعثرة، تضم مختلف الأطراف المعنية.
وفي واقع الأمر، فإن التدهور في سيولة المحافظ المالية للقطاع، سواء بالنسبة للأفراد أو الشركات، والذي تسببت فيه الصدمة الاقتصادية الناجمة عن الأزمة، أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع تكلفة المخاطر، بالنظر إلى سياسة التمويل الحذرة التي تطبقها البنوك.
وفي هذا الصدد، أوضحت الأستاذة نوال غاوتي، محامية مقبولة لدى محكمة النقض، أن الوباء قد سرع الحاجة إلى تقديم إجابة شاملة للوضع الحرج المتمثل في تزايد الديون غير المسددة في النظام البنكي ككل. وشددت على أن “نقص السيولة في السوق البنكية وتراجع الملاءة المالية للمؤسسات المالية هما المشكلتان الرئيسيتان اللتان تتطلبان، بشكل عام، تدخل الدولة في تدبير أزمة بهذا الحجم”.
وأضافت أن الأمر يتعلق بالحرص على عدم بروز أزمة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الصعوبات التي تواجه بعض المؤسسات البنكية التي أضعفها تعدد الأصول المشكوك فيها وغير القابلة للأداء، والتي تسمم الوضع، مع السماح لها بمواصلة نشاط توزيع القروض في أفضل الظروف، وكذلك حماية مدخرات المودعين بهذه المؤسسات. وبحسب السيدة غاوتي، ثمة عدة طرق يمكن من خلالها للدولة التدخل في أزمة تمس بالقطاع البنكي. ولفتت إلى أنه “لتمويل الخسائر التي تكبدتها المؤسسات المالية وضمان استمرار عملياتها في ظل ظروف ملائمة، فإن صيغة فسخ الديون ليست سوى خيار من بين خيارات أخرى”.
وشددت على أن “التجميع ليس الحل المعجزة. فالأمر يتعلق ببساطة بعملية تركيب تتيح العديد من المزايا التي لا يستهان بها: توزيع الخسائر المحتملة على المدى الزمني، وحماية مصالح المودعين الأفراد وتحرير القروض لضمان الإنعاش” . ووفق السيدة غاوتي، فإنه بحسب الدروس المستخلصة من التجارب الأجنبية المختلفة، يتضح أنه من أجل ضمان نجاحها “يجب أن تكون استراتيجية شركات فسخ الديون، التي سيتم إنشاؤها، معدة بعناية، وكذلك تقييم الأصول المباعة يجب أن يتم بسعر أقرب إلى المتداول في السوق”.
وبالنسبة لها، فإن أحد المتطلبات الأساسية للشروع في وضع جهاز الهيئة المكلفة بالديون المتعثرة يتمثل في “الشروع في إصلاح مقتضيات قانون الالتزامات والعقود، خصوصا، والذي لا يسمح في صيغته الحالية بالتأطير المباشر لعمليات تفويت الديون، وقد يتم إنشاء آلية محددة مخصصة للتجميع على شاكلة Fiducie الفرنسية أو Trust الأمريكية”. وأشارت المحامية إلى أن القضايا الضريبية المتعلقة بأحكام تفويت الديون المشكوك فيها تتطلب أيضا تعديلات مسبقة.
وتابعت أنه بالإضافة إلى هذه الإصلاحات العميقة ذات الطبيعة القانونية أو المحاسباتية، فإنه يجب التوصل إلى اتفاق مع كل من المؤسسات البنكية المعنية التي ترغب في الانخراط في هذا المشروع، لاتخاذ قرار بشأن إعداد نظام فسخ الديون وكيفية تمويله (عام أو خاص) وتحديد طريقة تقييم الديون المتعثرة المعنية. وبالإضافة إلى ذلك، أشارت السيدة غاوتي إلى أن خصوصية كوفيد-19 هي تأثيره على جميع المؤسسات المالية في نفس التوقيت وبنفس الحدة بغض النظر عن حجمها أو خصوصية مساهميها، وذلك على الرغم من أن البنوك المدرجة في البورصة أظهرت بعض المرونة والقدرة على التكيف، وفق دراسة حديثة.
وتابعت أن خطط الإنقاذ المرتقبة ينبغي أن تشمل جميع البنوك وتسمح بحل الصعوبات التي تواجهها بطريقة متوازنة وموحدة ومتزامنة.
وتجدر الإشارة إلى أن والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، كان قد أكد خلال ندوة صحفية في أعقاب الاجتماع الفصلي الأخير لمجلس البنك المركزي، بأن مشروع هيئة مكلفة بالديون المتعثرة للأبناك “يسير على الطريق الصحيح”، غير أنه سجل أن الأمر يتعلق بمشروع لا يزال “معقدا للغاية” بالنظر إلى جوانبه القانونية والمالية والمؤسساتية.
الحدث. و م ع