حسن هرماس: يطالعك الفنان الشاب محمد حمزة، منذ الوهلة الأولى للقاء به، بالابتسامة العفوية المرسومة على محياه على الدوام. حتى قبل أن يحرك شفتيه مهللا بالسلام والترحاب، تحس بشعور تلقائي من الود والانجذاب تجاه هذا الإنسان الذي يستنشق الفن مع الهواء.
بتواضع الكبار الممزوج بشيء من الخجل، يحدثك عن تجربته الفنية، وتطلعاته الإبداعية التي يمتلك من الاستعداد والمؤهلات ما يجعله قادرا على الوفاء بما يتمنى بلوغه في مجال اهتماماته الفنية المتعددة والمتنوعة، والتي سبق له أن أعطى ما يكفي من البراهين المادية على أهلية انتسابه لتلك الصفوة من المجتمع التي تستحق فعلا أن تحمل لقب فنان.
كأن الشاب محمد حمزة، الذي أبصر النور ذات يوم من سنة 1976 في مدينة تارودانت، خرج إلى الوجود وهو يحمل في تركيبته الجسدية “جينات الفن” التي كانت تحفزه منذ طفولته المبكرة على مداعبة الفن، وتذوق مختلف أصناف التعبير عن الجمال، والإقبال بنهم على استهلاك ما يغذي الروح.
كانت البداية في منزل الأسرة الذي حوله إلى ما يشبه الورشة الفنية، حيث كان يحضر آلة التسجيل الصوتي قصد استعمالها من أجل توثيق تسجيلات يقلد فيها مقاطع من المسرحيات الإذاعية التي كان يؤديها فطاحل الفن المسرحي المغربي من أعضاء فرقة المعمورة، وغيرهم من كبار المبدعين المؤسسين لأب الفنون في المغرب، والذي شاءت الظروف، بعدما اشتد عوده الفني، أن تجمعه أعمال مشتركة مع البعض منهم.
حبه الطفولي للفن لم يكن ليمر دون أن يسترعي انتباه أساتذته وهو تلميذ في السلك الابتدائي بمدرسة “الوفاق” في تارودانت، حيث كان في طليعة التلاميذ الذين تستعين بهم المؤسسة في إضفاء نوع من البهاء على الحفلات المدرسية المنظمة في مختلف المناسبات، ومن ضمنها الأعياد الوطنية، وكذا في الأنشطة المنظمة في إطار النوادي المدرسية.
منذ الإرهاصات الأولى لـ “ابتلاء” محمد حمزة بالفن، خاصة في شقه المرتبط بالغناء والطرب، اختار ما هو أجمل ورفيع، حيث كان يواظب على حفظ وترديد قصائد الملحون والطرب الأندلسي، إلى جانب أغاني سفيرة الطرب العربي إلى النجوم، المطربة الكبيرة نهاد حداد، المعروفة فنيا بلقب “فيروز”.
مع بلوغ مرحلة التعليم الثانوي، تفتقت مواهب الشاب محمد حمزة على أصناف أخرى من التعبير الفني، كما وجد بين أساتذته من كان يحرص على الدوام على تشجيعه والتنويه بمواهبه، حيث ما زال يجدد عرفانه وفاء لهم، ومن بينهم الأساتذة أحمد المعتصم، وسحنون، والسملالي وغيرهم.
في هذا الخضم من “الابتلاء” بحب الفن، اجتذبت الشاب محمد حمزة فنون المسرح والدراما التي انخرط فيها قلبا وقالبا، حيث اعتكف على التكوين الذاتي لصقل مواهبه، إضافة إلى سعيه لتلقي تكوينات متخصصة على يد مؤطرين متضلعين في مجال تقنيات التمثيل والحركة الجسدية، والإخراج المسرحي، والكوميديا، والتنشيط الفني، وغيرها من أصناف التعابير الفنية الأخرى التي انغمس فيها وبرع في أدائها.
هذا الشغف بالفن، المقرون بالصدق في الأداء أهل محمد حمزة، وهو من الفنانين الشباب، ليحظى بالاهتمام من طرف بعض المخرجين والمنتجين الذين اقتنعوا بمواهبه الفنية، ولم يترددوا نتيجة لذلك من اختياره لأداء أدوار إلى جانب “شيوخ” المسرح والفنون الدرامية ممن لهم الباع الطويل في المجال الفني المغربي.
ذلك ما ينطبق، على سبيل المثال لا الحصر، على اختيار محمد حمزة من طرف المؤلف والمخرج شفيق السحيمي للمشاركة في مسرحية “عوم بحرك” التي قدمت بدعم من وزارة الثقافة سنة 2000. وذلك ما ينطبق أيضا على اقتناع هرم المسرح المغربي، الأستاذ المسكيني الصغير، بمواهبه حيث اختاره بدوره للمشاركة في العرض المسرحي” الرحبة”، الذي قدم بدوره بدعم من وزارة الثقافة سنة 1999.
أما بخصوص الأعمال التلفزيونية، فقد استطاع الفنان محمد حمزة بفضل موهبته ومؤهلاته في الفن المسرحي والدرامي أن يجد مكانا له إلى جانب عدد من المبدعين الكبار الذين طبعوا تاريخ الأعمال التلفزيونية الفكاهية والدرامية، من أمثال الفنان الحسين بنياز ، الذي مثل إلى جانبه في السلسلة الفكاهية “خفيف ظريف” من إخراج علي الطاهري. إلى جانب مشاركة الفنان الكبير محمد الجم، وعدد آخر من الأسماء البارزة في الفن الكوميدي المغربي أمثال المحجوب الراجي، ومصطفى الزعري، وحسن الفذ ممن شاركهم التمثيل في عدد من أنجح الأعمال التلفزيونية من قبيل “الشاليني تي في”، و” جوا من جم”، و” مريضنا ما عندو باس”، و”العام طويل “، وغيرها من الأعمال التي كانت تحظى بنسب مشاهدة عالية.
يجد الفنان الشاب محمد حمزة صعوبة كبيرة ممزوجة بإحساس من الحرج عند الحديث عن الأعمال الفنية المسرحية والتلفزيونية التي شارك فيها بسبب تخوفه من نسيان اسم من بين الأسماء المشكلة لفريق العمل الذي شارك فيه، وذلك نابع من قناعته الراسخة بكون الأعمال المسرحية والتلفزيونية الناجحة مرهونة بالبذل والاجتهاد الجماعي لفريق العمل، مهما بلغت الموهبة الفردية للفنان من النضج والتألق.
واعتبارا لذلك، فهو يحرص أثناء الحديث إليه على ذكر كاتب السيناريو والحوار، واسم المخرج، ومنتج العمل الفني أو الداعم له، ومصمم الملابس والديكور وغيرهم من الفاعلين في إعداد العمل الفني المسرحي والتلفزيوني.
وتمتد المواهب الفنية لمحمد حمزة لتشمل الفن الغنائي تلحينا وعزفا وغناء، حيث يتوفر على قدرة كبيرة على أسر آذان المستمعين من عشاق الطرب العربي الأصيل، لاسيما حين يؤدي على آلة العود بعض القطع الغنائية الخالدة في ريبيرتوار الطرب العربي التي أدها محمد الموجي، أو سيد مكاوي، أو عبد الوهاب الدكالي.
فنون الخط العربي بدورها يبرع الفنان محمد حمزة في تنميقها على الورق أو على الخشب بنوع من السهولة المستعصية على التملك، وكأن الحرف العربي يتصبب بين أنامله في أبهى صوره الجمالية التي تبهر عين القارئ العربي، كما تستفز الإحساس بالجمال لدى غير القارئ للغة العربية كما أسر له بذلك الكثيرون.
ويواصل الفنان محمد حمزة إتقانه لمواهبه الفنية، بعقلية طالب العلم الذي يسعى إلى بلوغ درجة تقترب مما يشبه “الكمال”، ذلك ما يعكسه انفتاحه على تملك برمجيات الحاسوب التي استطاع أن يطوعها في تصميم الغرافيك الخاص بالأغلفة الخارجية للكتب، إلى جانب توظيفها في تصميم ملصقات التظاهرات الثقافية والفنية.
هذا الرصيد الفني الثري، وهذه المؤهلات الإبداعية المتنوعة للفنان محمد حمزة، كلها عوامل تؤهله ليتبوأ مكانة مرموقة في المشهد الثقافي والفني على الصعيد الوطني، بالرغم من صعوبة توفير متطلبات الحياة الشخصية والمهنية، ومواجهة من لا يعير للفن والإبداع المكانة التي يستحقها، بوصفه دعامة قائمة الذات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الحدث. و م ع