العادات الغذائية عند البيضاويين: تشبع بالذواقة المغربية ونهل من الثقافة الغربية

0

جواد التويول: على غرار باقي سكان مدن وحواضر المملكة، حافظت ساكنة الدار البيضاء وعلى مر السنين، على عاداتها وتقاليدها وطقوسها الاجتماعية الراسخة، في مختلف مناحي وتجليات الحياة العامة.

ومن بين هذه العادات التي توارثتها ساكنة المدينة، جيلا بعد جيل، تقاليد الغذاء وإعداد الطعام، والتي لا تخرج بالضرورة، حتى وإن كانت ذات خصوصية محلية، عن وازع الطقوس المعتادة في كل جهات المملكة.

فالبيضاويون يحرصون على إعداد وتناول طعام صحي، شأنهم في ذلك شأن مواطنيهم في معظم مناطق المغرب، طعام يتضمن خضروات وفواكه وألياف، وهم بذلك، يسهمون في إرساء نظام غذائي سليم ينعكس إيجابا على صحتهم، في ظل انتشار أمراض عديدة تتعلق بالسمنة.

تقول فاطمة التي تتحدر من الحي المحمدي في دردشة مقتضبة مع وكالة المغرب العربي للأنباء، إنه رغم أن ساكنة المدينة، تعد أكلات ترتبط بتوفر مكوناتها حسب الفصول ومواسم الإنتاج، إلا أنها تبقى حريصة دائما على اقتناء أغراضها والحصول على كفايتها من كل الأصناف الغذائية انطلاقا من أسواق القرب المنتشرة في كل أحياء العاصمة الاقتصادية.

وتضيف فاطمة والتي تشتغل طباخة في أحد المطاعم الشهيرة بالمدينة، أن الأكلات التي تشتهر بها ساكنة الدار البيضاء تتمثل بالخصوص في طاجين اللحم بالخضر، وطاجين السمك الممزوج بالخضراوات، وطبق الدجاج المحمر ووجبة الكسكس والسفة المدفونة بالدجاج، وطبق البسطيلة سواء بالدجاج أو بالسمك، و”الحريرة” إضافة إلى السلاطة المتنوعة والتي تكون ممزوجة بمختلف أنواع الخضر والفواكه وعادة ما يتم تقديمها للضيوف كوجبة مقبلات.

وفضلا عن المأكولات المتنوعة التي يشتهر بها أهالي الدار البيضاء، تردف فاطمة، هناك أيضا أطباق الحلويات التقليدية ذات المذاق الشهي والتي تتميز بسرعة وسهولة تحضيرها في البيت، ومن بينها على الخصوص حلوى الشباكية التي تعد خصيصا في شهر رمضان، ويمكن تحضيرها بمكونات بسيطة، و”كعب الغزال” و”الفقاص” و”الهبلة” و”غرييبة”.

ومن العادات المميزة عند البيضاويين أيضا، يؤكد أحمد ممون حفلات بسيدي معروف، في تصريح مماثل، طقوس شرب الشاي والبن الأسود، وإعداد العجائن بكل مكوناتها من (حرشة وملاوي ورغايف وبغرير)، حيث تعتبر هذه المأكولات رمزا للترحاب وحسن الضيافة، وغالبا ما يتم تقديمها وفق تقليد خاص يتناغم مع طبيعة “الجلسة” والضيوف.

وتحرص الكثير من الأسر البيضاوية أيضا، يضيف أحمد على إعداد وجبات موسمية، خاصة في فصل الشتاء، والتي تتمثل أساسا في حساء العدس وطبقي “البيصارة”، و”الفاصوليا” وهي وجبات يتم تحضيرها خاصة في المساء من أجل اتقاء قسوة البرد والإحساس بالدفء.

ومهما يكن من أمر، فإن عادات وتقاليد الغذاء عند البيضاويين، لا تختلف تماما، وفي مجملها عن عادات وتقاليد ساكنة مدن وحواضر أخرى، بحكم أن أغلب سكان المغرب من شماله إلى جنوبه، يعدون ويتناولون تقريبا نفس الأكلات والأطباق، وحتى وإن كانت هناك اختلافات، فإنها لا تغدو كونها شكلية وليست جوهرية وتهم فقط عملية التحضير والإعداد والتقديم.

يقول سعيد وهو ناشط بإحدى الجمعيات التنموية المحلية، بسيدي البرنوصي، أن السبب في ذلك، يعزى إلى أن الدار البيضاء حاضرة كبرى تضم نحو 5 ملايين نسمة حسب أخر إحصاء رسمي، وتحتضن خليطا سكانيا متنوعا، إذ تقيم بها أسر وعائلات هاجرت إلى المدينة منذ سنين، من سوس ودرعة وتافيلالت والشياظمة وتانسيفت وأنجاد والأطلس المتوسط والريف والشراردة وسايس.

هذا الخليط السكاني المتجانس، برأي سعيد، طبيعي جدا أن يفرز مجموعة من العادات المتنوعة، والتي تؤثر مجملا في استدامة التقاليد والطقوس الاحتفالية ذات الصلة بكافة مناحي الحياة اليومية.

غير أن طقوس الأكل التقليدية عند ساكنة البيضاء، وإن كانت مازالت راسخة لدى الكثير من الأسر والعائلات إلا أنها بدأت تخضع لوازع التغيير بحكم التطور الذي عرفته وتيرة الحياة العصرية المتسارعة والتي باتت تؤثر بشكل كبير على العادات الغذائية الأصيلة لدى البيضاويين بسبب تأثيرات الثقافات الأجنبية.

ومرد هذا التحول، إلى تضاعف عدد المطاعم العالمية وسلاسل الوجبات السريعة بالمدينة في السنين الأخيرة وذلك بمعدلات غير مألوفة.

ويعزى تنامي أعداد هذه المحلات وبشكل مهول إلى الإقبال الكثيف للزبناء على خدمات هذه الفضاءات العمومية، وهو ما يؤكد أن تحولا جذريا طرأ على سلوكيات المواطن البيضاوي في ما يرتبط بعاداته الغذائية، إن تعلق الأمر بهامش الزمن وطبيعة استغلال الوقت، بحكم تطبيق العمل المستمر في جميع الإدارات والمؤسسات، أو ارتبط بدرجة تأثير سوق الإعلان في الوسائط التكنولوجية المختلفة من شبكات التواصل الاجتماعي ومنصة اليوتيوب والمواقع الإلكترونية. وفي هذا السياق، ترى خبيرة التغذية، أسماء زريول، أن الحجم الهائل من التغييرات التي باتت تجتاح النظام الغذائي المغربي، بسبب تأثير التغيرات التي طرأت على أنماط الحياة، ومنها تناول الأطعمة في محلات عمومية خارج البيوت، نظير الانبهار بالنموذج الغربي، كلها عوامل ستؤثر حتما على سلوكيات المواطن المغربي وعاداته الغذائية في المستقبل القريب.

الحدث. و م ع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.