حسن هرماس: على امتداد السنوات القليلة الماضية، شهدت جهة سوس ماسة إطلاق وتنفيذ العديد من المشاريع والمبادرات التي تصب في المجهود الوطني، المبذول على أكثر من صعيد، من أجل الانخراط في ما أصبح يعرف على الصعيد العالمي بالاستدامة التي غدت في الآونة الأخيرة مطلبا كونيا، وذلك في ظل الوعي المتنامي بالنتائج السلبية للاستغلال المفرط للثروات الطبيعية، وما يمكن أن تتسبب فيه من كوارث تهدد مستقبل البشرية.
في هذا الخضم، برزت الكثير من الرهانات التي جعلت مختلف البلدان تسعى، بكل ما أوتيت من جهود ومن وسائل، لتحقيق التنمية المستدامة والاستفادة من عوائدها، حيث انصب الاهتمام على إطلاق مخططات للاستثمار في الطاقات المتجددة، وما يرتبط بها من مساعي لمكافحة الاحتباس الحراري، إلى جانب الاستغلال العقلاني للثروات المائية وغيرها من الموارد الطبيعية الأخرى، التي اتضح بما لا يدع مجالا للشك أنها موارد محدودة.
وإذا كانت الدولة المغربية قد عملت على تنزيل عدد من المشاريع الكبيرة التي تصب في هذا الإطار، من قبيل محطة “نور” الضخمة للطاقات المتجددة في ورزازات، والمشروع الاستراتيجي لتحلية مياه البحر في منطقة أشتوكة، والاستراتيجية الخضراء “غابات المغرب” …وغيرها، فإن جهة سوس ماسة تعرف من جهتها إطلاق عدد من المشاريع والمبادرات التي أبانت عن حرص هذه الوحدة الترابية على الانخراط بقوة في التجاوب مع مطالب الاستدامة.
فعلاوة عن توصل جهة سوس ماسة لصياغة مخطط جهوي لمحاربة الاحتباس الحراري، والذي شكل سابقة في المجال البيئي على الصعيد الوطني جعل الجهة تقدم هذا المخطط خلال احتضان مراكش لقمة “كوب 22” ، إلى جانب بلورة الاتفاقية الإطار للحفاظ على الموارد المائية في الجهة، والشروع في غرس 10 آلاف هكتار من شجر الأركان الزراعي، وغيرها من المبادرات الأخرى…، جاء الدور الآن على تنزيل مفهوم الاستدامة في مجال الثروات البحرية، التي كانت جهة سوس ماسة ، وما زالت ، تضطلع بدور رائد في إنتاجها وتصنيعها على الصعيد الوطني، و لا أدل على ذلك أن الكميات السمكية المفرغة في ميناء أكادير يصل سنويا حوالي 95 ألف طن.
فمنذ الإعلان عن المخطط الوطني لتنمية تربية الأحياء البحرية الذي أعلنت عنه الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية (أندا)، انخرط مجلس جهة سوس ماسة في سلسلة من الإجراءات العملية التي يتوخى من خلالها الدفع قدما بهذه الاستراتيجية الوطنية الطموحة في مجال استدامة ثروات المنتجات البحرية، مع ما يواكب ذلك من خلق للثروة، وإحداث العديد من مناصب الشغل، مما سينعكس بشكل إيجابي كبير على الدورة الاقتصادية، وكذا على التوازنات البيئية البحرية.
ذلك ما يتجلى من خلال تحديد مجموعة من المناطق لإنشاء وحدات إنتاجية للأحياء البحرية على طول الشريط الساحلي لجهة سوس ماسة، الممتد من منطقة “إمسوان” شمالا، حتى حدود سيدي إفني جنوبا، حيث تقرر تخصيص المنطقة الأولى التي تتواجد شمال مدينة أكادير، وهي “منطقة إمسوان ـ تامري”، لإنشاء 48 وحدة لتربية الصدفيات، تصل مساحة كل وحدة منها 15 هكتار. أما المنطقة الثانية الواقعة بدورها شمال مدينة أكادير ، وهي “كاب غير ـ تامراغت” ، فخصصت لإنشاء 48 وحدة لتربية الأسماك تصل مساحة كل واحدة منها 25 هكتار، إضافة إلى خلق 42 وحدة على مساحة 15 هكتار لكل واحدة منها قصد تربية الصدفيات.
وعلى شاطئ منطقة “نيفنيت ـ وادي ماسة”، في إقليم اشتوكة ايت باها ، تقرر إنشاء المنطقة الثالثة المخصصة لخلق 72 وحدة إنتاج على مساحة 15 هكتار لكل وحدة ، حيث ستخصص 48 وحدة لتربية الصدفيات ، و 24 وحدة لتربية الطحالب البحرية. بينما تمتد المنطقة الرابعة “وادي ماسة ـ سيدي بولفضايل” بإقليم اشتوكة ايت باها، على مساحة إجمالية تصل 1080 هكتار، وتتوزع على 72 وحدة لإنتاج الصدفيات، تصل مساحة كل وحدة منها 15 هكتار.
ويبدو من خلال توزيع وعدد المناطق المخصصة لاستزراع الأحياء البحرية على صعيد الشريط الساحلي لجهة سوس ماسة أنها تغري بجلب استثمارات وازنة، كما توفر الفرصة لهذه الجهة كي تضطلع بدور طلائعي في الذهاب بعيدا في مجال إنشاء مزارع خاصة بتربية الأحياء البحرية، وهذا ما عكسه التجاوب مع طلبات إبداء الاهتمام الموجه للراغبين في الاستثمار في هذا المجال.
فبعد إطلاق الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية لطلبات إبداء اهتمام إزاء خلق 29 وحدة إنتاجية متخصصة في تربية الطحالب البحرية والصدفيات، تغطي مساحة محددة في 1380 هكتار، في الفترة الممتدة ما بين 27 دجنبر 2017 و27 ماي 2018 ، أسفرت عملية الفرز التي شملت الملفات المقدمة في هذا الإطار عن انتقاء 23 مشروعا قابلا للتنفيذ ، وذلك باستثمار مالي يبلغ 400 مليون درهم .
ومن بين هذه المشاريع التي وقع عليها الاختيار، هناك ثلاثة مشاريع ستستغل من طرف 11 مقاولا شابا سلكوا مسار الاستثمار في نشاط تربية الأحياء البحرية في جهة سوس ماسة، كما تم تخصيص فرص استثمارية للتعاونيات المحلية للصيد التقليدي والمهتمة بتربية الأحياء البحرية كدعامة للتنمية المحلية، حيث ستستفيد من برنامج للإشراف والدعم التقني لتيسير عملية تنفيذ هذه المشاريع في أفضل الظروف.
هذه الدينامية واكبها مجلس جهة سوس ماسة بتجاوب يوحي بالرغبة الأكيدة التي تحذو المجلس الجهوي للدفع بإنجاح مخطط تنمية تربية الأحياء البحرية في سوس ماسة، سواء في شقه المتعلق بخلق الثروة وإحداث مناصب الشغل، أو في ما يتعلق بربح رهان الاستدامة وحماية التوازنات والنظم البيئية البحرية.
وفي هذا السياق أعلن رئيس مجلس جهة سوس ماسة، السيد ابراهيم حافيدي، خلال لقاء صحافي في شهر نونبر الماضي، أن الجهة على استعداد لإطلاق 24 مشروعا لتربية الأحياء البحرية، منها أربعة مشاريع تتعلق باستزراع الطحالب، و 20 مشروعا لتربية الرخويات، وذلك في إطار تنفيذ مخطط الاستزراع المائي بالجهة الذي أطلقته الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية.
وأكد السيد حافيدي أن هذه المشاريع سيكون لها وقع ملموس على خلق القيمة المضافة، والتخفيف من التأثيرات البيئية السلبية، علاوة عن تحسين ظروف عيش البحارة الذين اختاروا الانخراط في تربية الأحياء المائية كنشاط مكمل للصيد التقليدي، مشيرا إلى أن حرص المجلس الجهوي على إنجاح هذه المشاريع جعله يخصص لها دعما ماليا بقيمة 20 مليون درهم.
وفي إطار هذه الدينامية المواكبة لتنزيل مشاريع النهوض بتربية الأحياء البحرية، أنشأت لجنة لتتبع الاتفاقية الموقعة في هذا الصدد بين مجلس جهة سوس ماسة ووكالة تنمية تربية الأحياء البحرية، حيث عقدت هذه اللجنة في وقت سابق من شهر يناير الجاري اجتماعا خصص لتقييم مسلسل تنفيذ مشاريع تربية الأحياء البحرية التي صادق عليها مجلس الجهة، وذلك من أجل الوقوف على مدى تقدم إنجاز هذه المشاريع البالغ عددها ستة، والتي ستكلف استثمارات بقيمة مالية تصل حوالي 88 مليون درهم.
ولعل هذه السلسة المترابطة من الإجراءات والمبادرات التي تفاعل بها مجلس جهة سوس ماسة مع المخطط الوطني لتنمية تربية الأحياء البحرية منذ الإعلان عنه لكفيل بأن يعطي لمفهوم الاستدامة الخاص بالثروة السمكية بعدا واقعيا على صعيد هذه الوحدة الترابية التي تشكل الثروة السمكية واحدة من المرتكزات التي يتأسس عليها النسيج الاقتصادي لهذه الجهة.
الحدث. و م ع