البرلمان سنة 2020 : في صلب معركة مواجهة “كوفيد 19”

0

الطيب كزرار: كانت المؤسسة التشريعية، على مدار هذه السنة الاستثنائية التي نودعها، محط متابعة من قبل الرأي العام الوطني، لما شهدته من نقاش بين مكوناتها وبين الحكومة بشأن العديد من التدابير المتعلقة بكيفية التعامل مع الواقع الصعب الذي أفرزته الأزمة الصحية لفيروس كورونا ” كوفيد 19 “.

ففي سياق غير مسبوق ناجم عن انتشار وباء “كوفيد 19″، عملت المؤسسة التشريعية على تكييف آليات اشتغالها من أجل الاستمرار في أداء مهامها، التشريعية والرقابية، في إطار الحرص على الاحترام التام والدقيق لمقتضيات الدستور تكريسا وترسيخا للديمقراطية.

فقد واصل البرلمان بمجلسيه، في هذا السياق، استثمار كافة الإمكانات المتاحة أمامه، سواء على مستوى التشريع أو المراقبة متعددة الأوجه وتقييم السياسات العمومية، من أجل تعزيز الانخراط في مسار النهوض بأدواره في ظل هذه الظرفية والمساهمة إلى جانب الحكومة، كشريك أساسي، في اقتراح الحلول التي من شأنها مواجهة الآثار المترتبة عن الجائحة.

وهكذا، فقد شهدت الحياة البرلمانية خلال هذه السنة الاستثنائية، وتيرة عمل تشريعي مهم تركز بالأساس في المصادقة على نصوص قانونية كان اعتمادها ملحا من أجل تأطير السياق الخاص وغير المسبوق، بما في ذلك القوانين المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية، وما يرتبط بها من تدابير استثنائية.

وفي قراءة لأبرز المحطات التي ميزت الحياة البرلمانية خلال السنة الجارية، لا بد من الوقوف عند الأوراش التشريعية التي نالت حيزا كبيرا من المتابعة من قبل المجتمع، وكانت على درجة كبيرة من الأهمية، من حيث استجابتها لمتطلبات الفترة الراهنة، من أبرزها قانون المالية لسنة 2021، الذي شكل مناسبة لكل الفاعلين، حكومة وبرلمانا، للانكباب على تحليل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي للمغرب في ظل هذه الأزمة، والنقاش بشأن الإجابات التي قدمها لمواجهة تأثيراتها الظرفية والهيكلية، والمساهمة في تقديم المقترحات لاستشراف آفاق واعدة في مرحلة ما بعد الأزمة.

وتركز النقاش، في هذا السياق، بالخصوص، على التحديات التي تفرضها المرحلة، وخاصة الآليات الكفيلة بأجرأة الأولويات المتمثلة في تسريع تنزيل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، وبالشروع في تعميم التغطية الصحية الإجبارية انطلاقا من فاتح يناير 2021، كمرحلة أولى في إطار تنزيل الإصلاح المجتمعي العميق المتعلق بتعميم التغطية الاجتماعية، والتأسيس لمثالية الدولة وعقلنة تدبيرها.

وفي سياق متصل، صادقت المؤسسة البرلمانية، خلال السنة الجارية، على مشروع قانون المالية المعدل لسنة 2020، الذي يعد الأول من نوعه في ظل دستور 2011، والذي لم يعتمد في المغرب منذ أزيد من عقدين، واستند إلى مرتكزات أساسية تتمثل في مواكبة الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي، والحفاظ على مناصب الشغل، وتسريع تنزيل الإصلاحات الإدارية.

إضافة إلى ذلك، صادق البرلمان على نصوص تشريعية مرتبطة بتدبير جائحة كورونا “كوفيد-19″، تتمثل على الخصوص في مشروعي قانونين يرميان إلى المصادقة على مراسيم قوانين، تم إصدارهما خلال الفترة الفاصلة بين دورتي أكتوبر وأبريل، ويتعلق الأمر بمرسوم بقانون المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، ومرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها؛ ومشروع قانون يتعلق بسن تدابير استثنائية لفائدة المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والعاملين لديهم المصرح بهم، المتضررين من تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا “كوفيد-19”.

ومن ضمن النصوص التي تمت المصادقة عليها، خلال هذه السنة أيضا، مشروع قانون يتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات؛ ومشروع القانون المتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الالكترونية؛ ومشروع قانون يتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية، ومشروع قانون يتعلق بإعادة تنظيم أكاديمية المملكة المغربية، ومشروع قانون يتعلق بالتقييم البيئي، ومشروع قانون تنظيمي يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

وتميزت هذه السنة، على الصعيد التشريعي أيضا، باعتماد مجلس المستشارين لأول مرة في تاريخ العمل البرلماني بالمغرب، والثانية على صعيد إفريقيا والشرق الأوسط، لآلية التصويت الإلكتروني عن بعد، عبر منصة معلوماتية مؤمنة، حيث جاء اعتماد هذه الآلية بغية ضمان مشاركة أوسع للمستشارين في عملية التصويت، بما يتوافق مع مقتضيات الفصل 60 من الدستور الذي ينص على أن التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه ومضمون المادة 175 من النظام الداخلي للمجلس.

أما على مستوى مراقبة العمل الحكومي، فقد شكلت جلسات الأسئلة الشفهية مناسبة للتفاعل بين أعضاء مجلسي البرلمان والحكومة حول مستجدات الحالة الوبائية بالمملكة وكافة التدابير المتخذة لمكافحة تداعياتها، حيث حظيت هذه الجلسات بمتابعة من قبل الرأي العام، وأضحت بمثابة منبر للتعرف على المستجدات والتطورات المرتبطة بالجائحة.

وفي السياق ذاته، خصصت الجلسات الشهرية الخاصة بتقديم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، لتناول المواضيع المتعلقة بواقع وآفاق مواجهة تداعيات أزمة كورونا، وسياسة الحكومة لما بعد رفع الحجر الصحي، والسياسات العمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، في ضوء الدروس المستخلصة من تداعيات أزمة كورونا.

كما عقد مجلسا البرلمان، طبقا لأحكام الفصل 68 من الدستور، جلسة عامة مشتركة خصصت لتقديم رئيس الحكومة لبيانات تتعلق “بتطورات تدبير الحجر الصحي ما بعد 20 ماي”، ليشهد العمل البرلماني المغربي بذلك لأول مرة في تاريخه عقد جلسات عمومية لتقديم ومناقشة البيانات المقدمة من قبل رئيس الحكومة.

على صعيد آخر، تم خلال هذه السنة حسم الجدل الدائر حول تصفية نظام معاشات البرلمانيين بشكل نهائي، وما خلفه من تقاطبات بين مكونات مجلس النواب، وذلك بعد أن اتفقت هاته الأخيرة على الشروع في تنزيل الإجراءات الكفيلة بتصفية هذا النظام نهائيا.

وفي ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة، فقد قام وفد برلماني، ضم 35 نائبا ومستشارا، مطلع مارس الماضي، بزيارة لوحدات القوات المسلحة الملكية التابعة للمنطقة الجنوبية للمملكة، شملت أكادير والسمارة وأوسرد، حيث شكلت هذه الزيارة مناسبة ثمن من خلالها أعضاء الوفد عاليا التضحيات الجسام التي تقدمها القوات المسلحة الملكية، وتفانيها الدائم للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة.

وفي إطار تفعيل الدبلوماسية البرلمانية لرفع صوت المغرب العادل لدى مختلف المنظمات والمحافل البرلمانية الإقليمية والجهوية والدولية، قام السيدان الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب وعبد الحكيم بن شماش رئيس مجلس المستشارين، بمراسلة كافة هاته المنظمات والاتحادات البرلمانية الجهوية والإقليمية والدولية من أجل إحاطتها بحقيقة الوضع، وبصوابية وحكمة وسلمية التدخل المغربي السلمي لتأمين المعبر الحدودي الكركرات.

ومع إشراف السنة الحالية على الانتهاء، تزداد التحديات التي ستكون المؤسسة التشريعية مدعوة لرفعها لمواجهة الأزمة الصحية غير المسبوقة، مما يتطلب تعبئة وطنية شاملة، وتضافر جهود الجميع، للارتقاء إلى مستوى تحديات هذه المرحلة، وتطلعات المواطنين.

الحدث. و م ع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.