أول حكومة ائتلافية في التاريخ الإسباني.. 2020 عام البحث عن الاستقرار

0

عمر المرابط: منذ أكثر من عام، بدا المشروع السياسي لبيدرو سانشيز الأمين العام للحزب العمالي الاشتراكي الإسباني أنه محكوم عليه بـ “عدم القابلية للحكم” و”عدم الاستقرار”، بعد الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 10 نونبر 2019، والتي رسمت خارطة سياسية مبعثرة.

فقد كشفت نتائج هذه الانتخابات التشريعية أن اليسار لم يتحرك وإنما ظل جامدا، ومع ذلك مستعدا للمواجهة، بينما استعاد اليمين بعض المواقع عبر التقدم المذهل الذي أحرزه اليمين المتطرف خلال هذه الاستحقاقات في حين أن حزب (سيودادانوس) الذي يمثل الوسط، والذي هو في بحث دائم عن تحالفات اختفى تقريبا من الخارطة السياسية الإسبانية.

وهكذا، غرقت البلاد في سيناريو من الانسداد المتواصل بعد إجراء هذه الانتخابات الجديدة، التي تمت الدعوة إليها بعد فشل الاقتراع الذي نظم قبل ذلك بستة أشهر، والذي لم يسمح في النهاية بتشكيل حكومة جديدة.

ولمواجهة هذا الوضع المعقد، بدأ بيدرو سانشيز الذي فاز حزبه في الاقتراع الذي جرى يوم 10 نونبر 2019، لكن دون أغلبية كافية، للسيطرة على البرلمان بالعمل ونجح بعد مجهود كبير في تحقيق رغبته في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب (بوديموس)، وذلك في ظرف 48 ساعة من بدء المفاوضات.

وبعد أكثر من شهر بقليل قدم الحزبان (الحزب العمالي الاشتراكي وحزب بوديموس) برنامجا تقدميا طموحا من 11 فصلا و50 صفحة من أجل ضمان استقرار الولاية التشريعية بأكملها، كما تم التوقيع على وثيقة النوايا الحسنة في مجلس النواب في 30 دجنبر من طرف قادة الحزب العمالي الاشتراكي وحزب (بوديموس).

لكن على الرغم من ذلك، فقد اضطر بيدرو سانشيز وحكومته الائتلافية التي حصلت مجتمعة على 155 مقعدا في مجلس النواب (من أصل 350 مقعدا)، إلى الانتظار حتى “الجولة الثانية” في 7 يناير، من أجل نيل ثقة البرلمان والظفر بتنصيبه على رأس الحكومة الائتلافية بهامش ضيق لم يتجاوز 167 صوتا مؤيدا مقابل 165 معارضا وامتناع 18 نائبا على التصويت.

وبدا الحكم ضمن أقلية مثل هذه واعتماد الإجراءات كل يوم ثلاثاء في مجلس الوزراء، ثم الذهاب إلى مجلس النواب لعرض القوانين والبحث عن الدعم لسياسات الدولة، كأنه حلم كاذب لأول حكومة ائتلافية تم تشكيلها منذ بداية العهد الديموقراطي الحديث في إسبانيا.

ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال، إذ على الرغم من “الفراغ البرلماني” الذي استمر قرابة ثلاثة أشهر بسبب الموجة الأولى من فيروس (كوفيدـ19) خلال الربيع الماضي، فقد طورت الحكومة نشاطا تشريعيا مكثفا دون إخفاقات كبيرة.

ومنذ تنصيبه على رأس الحكومة الائتلافية، تمكن بيدرو سانشيز من إفشال مقترح حجب الثقة عن حكومته الذي قدمه حزب (فوكس)، الذي يمثل أقصى اليمين، كما نجح في تمرير ثلاثة مراسيم خاصة بحالة الطوارئ على مجموع التراب الوطني من أجل مواجهة تفشي وباء كورونا المستجد، بالإضافة إلى أكثر من 250 مشروع قانون و33 مرسوما ملكيا.

كما أجاب أعضاء الحكومة على 47 ألفا و798 سؤالا (من أصل 52 ألفا و741 سؤالا سجل بالبرلمان)، وهو ما يمثل أكثر بمرتين أو ثلاث مرات من الولايات التشريعية السابقة، كما مثل رئيس الحكومة والوزراء لـ 804 من المرات أمام غرفتي البرلمان (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، في حين درست وناقشت المجموعات البرلمانية ما مجموعه 2072 من مشاريع القوانين إلى جانب إحداث 19 لجنة تحقيق.

وقدم شركاء الحكومة في الولاية التشريعية الحالية، وهم الحزب الوطني الباسكي وحزب اليسار الجمهوري الكتالاني، وكذا الأحزاب الصغيرة بشكل عام، الدعم والمساندة لجميع القرارات والإجراءات التي اقترحتها الحكومة، وذلك على الرغم من الرفض المطلق والمعارضة الشديدة للحزب الشعبي القوة الرئيسية في المعارضة بالبلاد وكذا حزب (فوكس) اليميني المتطرف.

وميزت المرحلة الأخيرة من المعركة من أجل تكريس الاستقرار في البلاد المصادقة يوم 3 دجنبر الماضي على الميزانية العامة للدولة لعام 2021 بعد تأييدها من طرف 11 حزبا سياسيا (189 صوتا)، وذلك للمرة الأولى في تاريخ إسبانيا الحديث.

وقد اجتازت الميزانية العامة للدولة لعام 2021 التي تضمن استمرار حكومة بيدرو سانشيز حتى نهاية ولايتها التشريعية بسهولة جميع العقبات بفضل الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة الائتلافية مع الأحزاب القومية الصغيرة، وهو ما يمثل كتلة متعددة من الألوان والتيارات توحدت جميعها وتمكنت من ضمان استمرارية هذه الحكومة.

وبمجرد أن استقرت حكومة بيدرو سانشيز التي تتوفر على حقائب وزارية أكثر من أي وقت مضى (22 وزيرا وأربعة نواب للرئيس)، شرعت في العمل على مخطط التعافي وتحقيق الانتعاشة الاقتصادية لما بعد فيروس (كوفيدـ19)، وكذا تنفيذ مخططات الانتقال في مجالات واعدة مثل التغيرات المناخية والانتقال الرقمي وتقوية ودعم مكونات ودعامات الاقتصاد الإسباني.

الحدث. و م ع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.