محمد الصغير: وجدت الحكومة نفسها، في سنة 2020، أمام إكراهات مواجهة تداعيات (كوفيد-19) والحفاظ على التوازنات الاجتماعية، رغم سياق الأزمة التي أفرزها الجائحة في ظل تفشيها منذ مطلع السنة ولا زالت قائمة في مختلف بلدان العالم، وإضرارها بكافة القطاعات المنتجة.
لذلك، فإن الحصيلة الاجتماعية برسم 2020، تكاد تكون محتشمة لكون الجهود انصبت على مواجهة تداعيات الجائحة. وكانت طريقة احتفالات فاتح ماي للعام للجاري أحد مؤشرات “بيضاوية السنة”، حيث غابت المسيرات العمالية والمهرجانات الخطابية بفعل حالة الطوارئ، وبالتالي حرمت النقابات العمالية من تقييم حصيلة التدبير الحكومي للقطاع العام والقطاعات المهنية على وجه الخصوص، والمطالبة بتعزيز حقوقها الدستورية.
لكن هذا لم يمنع من الاستعانة بالوسائط الاجتماعية للتواصل بين الشغيلة والمؤسسات النقابية التي تمثلها من جهة، وبين هذه النقابات والمؤسسات الحكومية من جهة ثانية، باعتبارها الوسيلة المتاحة لإبلاغ صوت تلك الفئة من المجتمع في هذه الظرفية الصحية الاستثنائية. فعمدت الهيئات العمالية الأكثر تمثيلية، في عيد العمال الافتراضي، إلى بث كلماتها ومطالبها عن بعد، إلى جانب مجموعة من الأنشطة والبرامج الإلكترونية المختلفة، إحياء لذكرى عيد دون تجمعات عمالية.
وبالمناسبة فاتح ماي، كان وزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز ، قد ذكر بالاتفاقيات الجماعية للشغل ال13 التي تم توقيعها السنة الماضية، والتي همت مختلف القطاعات الإنتاجية (الصناعة والفلاحة والبناء والأشغال العمومية)، واستمرت مع مطلع العام الجاري، فضلا عن العديد من مشاريع اتفاقيات أخرى في طور التوقيع أو التبلور لولا تفشي هذه الجائحة.
وخلال مرحلة تمدد الوباء، أتى تاريخ 15 مارس كمحطة فارقة في ظل الأزمة الصحية، عندما صدر بلاغ للديوان الملكي معلنا عن الإحداث الفوري لصندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا، تنفيذا لتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الحكومة، توفر له اعتمادات بمبلغ عشرة ملايير درهم، “يخصص من جهة، للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية (…)، ومن جهة ثانية لدعم الاقتصاد الوطني، من خلال مجموعة من التدابير التي تقترحها الحكومة، لاسيما في ما يخص مواكبة القطاعات الأكثر تأثرا بفعل انتشار فيروس كورونا، كالسياحة وكذا في مجال الحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الأزمة”.
في خضم ذلك، وتعبيرا من أرباب العمل عن تفهمهم للوضع، حرص رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، على التأكيد على أن الاتحاد يعي جيدا مسؤوليته في الحفاظ على مناصب الشغل وكذا المقاولات المغربية، وذلك في مواجهة الآثار السلبية التي يخلفها انتشار الوباء في العديد من أقطار المعمور، بينما اكتفت هيئات نقابية بدعوة الحكومة، خلال الجولة الأولى من الحوار الاجتماعي الثلاثي في 10 يوليوز، إلى اتخاذ إجراءات ملموسة قصد الحفاظ على فرص العمل المهددة بالفقدان، والنهوض بالاقتصاد الوطني.
وفي هذه الجولة، أكد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أنه تم الاتفاق على عقد جولة ثانية من الحوار الاجتماعي ثلاثي الأطراف لتحديد الإشكالات المطروحة واقتراح حلول واقعية.
وأبرز أنه، بعد نقاش صريح ومسؤول، اتضحت الحاجة الماسة لعقد جلسة أخرى “في أقرب الآجال”، حيث تم الاتفاق على عقد جولة ثانية، يتم فيها التحديد الدقيق للقضايا والإشكالات المطروحة، واقتراح إجابات وحلول واقعية ومتوافق بشأنها، لافتا إلى أن الرهان في هذه المرحلة يتمثل في اتخاذ تدابير اجتماعية واقتصادية للحفاظ على مناصب الشغل، ومشيرا إلى الجهود المبذولة في دعم الاستثمار العمومي في قانون المالية المعدل، وإلى أهمية مواصلة تنفيذ الاتفاق ثلاثي الأطراف الموقع بتاريخ 25 أبريل 2019.
هذه الجولة الجديدة من الحوار الاجتماعي الثلاثي، أتت تتويجا للقاءات التشاورية الثنائية التي كان رئيس الحكومة عقدها في الأسبوع الأول من يوليوز.
وأفاد السيد العثماني بتوصله بحوالي 23 مذكرة من أحزاب ونقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، تضمنت عددا من المقترحات، أكد أنها ستؤخذ بعين الاعتبار في قانون المالية المعدل للسنة المالية 2020.
وفي الرابع من غشت، أعلن وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، أن إنجاح تعميم التغطية الاجتماعية “إصلاح عميق”، يستلزم “بالضرورة” اتخاذ تدابير قبلية ومواكبة.
وكان السيد بنشعبون يتحدث في ندوة صحفية حول تفعيل التوجيهات الملكية السامية التي تضمنها خطاب العرش الأخير. وقال إن الأمر يتعلق، أساسا، بإصلاح الإطار القانوني والتنظيمي، وإعادة تأهيل الوحدات الصحية وتنظيم مسارات العلاج، وإصلاح الأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين، خاصة عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد، مبرزا أن إصلاح حكامة نظام الحماية الاجتماعية، وكذا الإصلاح الجبائي المتعلق بإقرار المساهمة المهنية الموحدة، كفيلان بإنجاح هذا الورش.
وتابع الوزير أن هذا الإصلاح يتوخى تقديم تغطية اجتماعية شاملة، من خلال تعميم التأمين الإجباري على المرض، والتعويضات العائلية لفائدة كل الأسر ابتداء من شهر يناير 2021، فضلا عن التقاعد لفائدة الساكنة النشيطة التي لا تتوفر حاليا على تغطية اجتماعية، والتعويض عن فقدان الشغل لفائدة الساكنة النشيطة، وأنه سيتم، تبعا للتعليمات الملكية السامية، فتح حوار اجتماعي بناء في أقرب الآجال مع كافة الشركاء بغية بلورة رؤية براغماتية شاملة (التخطيط، الإطار القانوني وخيارات التمويل).
وبدورها، أكدت وزارة الشغل والإدماج المهني في 19 أكتوبر أن بابها سيظل مفتوحا للحوار مع النقابات الممثلة داخل القطاع في إطار الحوار الاجتماعي القطاعي، وكذا التشاور مع الجمعيات الفاعلة في القطاع وفق الصيغ الجاري بها العمل.
والحكومة، ومنذ انتشار الوباء، عملت بشكل حثيث، بتعاون مع شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين، على وضع إجراءات لدعم الاستئناف التدريجي لمختلف الأنشطة الاقتصادية التي توقفت جزئيا أو كليا خلال فترة الحجر الصحي، بالإضافة إلى اعتماد آليات ملائمة كفيلة بالتحفيز على إحداث مناصب الشغل والحفاظ عليها، خاصة في صفوف الشباب.
وشكل الدخول الاجتماعي للسنة الجارية مناسبة أبدت فيها عدة مركزيات نقابية تشبثها بالانخراط في الحوار الاجتماعي كحل أنجع وفعال لمواجهة الإشكالات التي لم تكن تخطر على بال أحد في ظل الجائحة، مشددة، في هذا الصدد، على ضرورة التحلي بالمسؤولية الجماعية وبالحس الوطني، واعتماد المقاربة التشاركية والتوافقية للتعجيل بإيجاد حلول واقعية تدشن لإرساء مناخ اقتصادي واجتماعي سليم تطبعه الثقة بين كافة الأطراف المعنية.
وكان هذا الدخول الاجتماعي مخالفا لكل المؤشرات التي كانت تذهب إلى أنه سيكون حاملا لمفاجآت “سارة” تبعا لتراجع الوباء بعد نحو شهرين من انتشاره بالمملكة، وهو التفاؤل الذي عاد منحاه إلى النزول، لاسيما مع أواخر شهر يوليوز الماضي حيث كانت انطلاقة تسجيل ارتفاع مهول في عدد حالات الإصابة والوفيات والحالات الحرجة.
ولتدارك الأمر، تم وضع ميثاق الإنعاش الاقتصادي والشغل، الذي يحظى بانخراط الجهاز التنفيذي وأرباب العمل والبنوك، وعقد برنامج يروم دعم المقاولات والحفاظ على فرص الشغل، أمام استمرار تضرر قطاعات شديدة الحساسية إزاء هذه الظرفية، ولاسيما قطاع السياحة.
وتؤشر هذه المعطيات، على أن الحوار الثلاثي (الحكومة والمركزيات النقابية وأرباب العمل)، وهو أحد تجليات الدخول الاجتماعي، سيكون في السنة المقبلة مثقلا بملفات تشكل طابع الراهنية، سواء ما تعلق بإصلاح أعطاب ولدتها الجائحة أو محاولة مسايرتها بأوراش تحافظ على توازن المجتمع.