إيطاليا : الصراع على رئاسة الحكومة يجعل المستقبل السياسي مفتوحا على كل السيناريوهات

دشنت الانتخابات التشريعية، التي جرت الأحد الماضي، لفصل غير مسبوق في التاريخ السياسي لإيطاليا التي بات مصيرها المجهول بيد الشعبويين واليمين المتطرف المناهض لأوروبا اللذان يتنافسان بقوة على الانفراد برئاسة الحكومة ، ما يجعل مستقبل ثالث اقتصاد في منطقة الأورو مفتوحا على كل السيناريوهات.

فبعد أن ضمنت خمس نجوم (الشعبوية) التي أسسها الكوميدي بيبي غريلو عام 2009، ورابطة الشمال (اليمين المتطرف) لنفسهما موقعا مريحا في البرلمان، دخلا في تنافس محموم من أجل الانفراد برئاسة الحكومة، دون أن تكون لها أغلبية واضحة .

غبر أن الاختراق القوي للحركة الفتية التي أصبحت أول قوة سياسية في البلاد بحصولها على 32 في المائة من الأصوات، يثير الشكوك بخصوص مدى قدرتها على تولي زمام السلطة وتحقيق تطلعات الإيطاليين في ظل افتقارها للتجربة السياسية و استبعادها التحالف مع أحزاب أو قوى أخرى، فيما يقتنع البعض بأن باستطاعتها إحداث تغيير اقتصادي وسياسي طال انتظاره. فقد صرح زعيمها لودجي دي مايو البالغ من العمر 31 عاما ، في ندوة صحافية أول أمس الإثنين، أن “لدينا مسؤولية تشكيل حكومة” في إيطاليا، مرتكزا على النتائج التي حققها في الانتخابات، مؤكدا أن “هناك مناطق بأسرها حصدنا فيها أكثر من 50 في المائة من الأصوات، ومناطق حصلنا فيها على 75 في المائة من الأصوات”.

بالمقابل،يعتبر زعيم رابطة الشمال ماتيو سالفيني ، انه حقق ” فوزا استثنائيا” ، لذلك “لدينا الحق وواجب الحكم في السنوات المقبلة”.

وأشار في مؤتمر صحافي عقده في مقر حزبه أنه سيجري “في الساعات المقبلة” محادثات مع حلفائه في التحالف، خاصة سيلفيو برلوسكوني رئيس حزب “فورزا ايطاليا” بخصوص رئاسة الحكومة، مبديا تمسكه “بالاتفاق” الذي ينص على أن الحزب الذي يتصدر نتائج التصويت ضمن التحالف بين اليمين واليمني المتطرف، يترأس الحكومة المقبلة. إصرار ماثيو سالفيني في خرجاته الإعلامية على تولي السلطة يثير مخاوف الدول الأوروبية التي تراقب بتوجس تطورات الوضع السياسي في ثالث أكبر اقتصاد مافتئ يهدد سياسيوه الجدد بمغادرة الاتحاد الأوروبي في حال رفضت بروكسل إعادة التفاوض بشان قوانينها المتعلقة بالضرائب والهجرة”، لاسيما أن رئيس هذه الرابطة يوجه أصابيع الاتهام للسياسات النقدية الأوروبية بكونها كانت وراء الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها إيطاليا، مقترحا في برنامجه الانتخابي إعادة إدخال الليرة كعملة موازية.

وما إن وضعت الانتخابات أوزارها، حتى أصبح التحالف المحتمل بين رابطة الشمال وحركة خمس النجوم لتشكيل الحكومة المقبلة الكابوس الذي يقض مضجع بروكسيل ، بالنظر للتوافق الحاصل بين القوتين السياستين بشأن العلاقات مع الاتحاد الأوربي.

هذا الوضع السياسي المفتوح على كل الاحتمالات، حسب مراقبين أشبه بـ “الرمال المتحركة” التي تتجه بإيطاليا إلى مأزق لا يمكن التنبؤ بتداعياته الاقتصادية و السياسية المقلقة بالنسبة لأوروبا التي راهنت على فوز زعيم حزب (فورتسا إيطاليا) سيلفيو برلسكوني أو الأمين العام للحزب الديمقراطي ماثيو رينزي لوقف زحف اليمين المتطرف والشعبويين. رهان لم يفلح بعد ان جاء حزب برلسكوني في المركز الثاني ضمن تحالف اليمين ، فيما مني الحزب الديقراطي (يسار وسط) بهزيمة فاقت التوقعات بحصوله18,7 من الأصوات، مادفع أمينه العام ماثيو رينزي إلى الاستقالة .

وفي اول ندوة له بعد الخسارة الفادحة قال رينزي، في ندوة صحافية إن الحزب الديموقراطي “مني بهزيمة لاغبار عليها ، وهو ما دفعني إلى الاستقالة من قيادة الحزب ” ، مؤكدا في الوقت ذاته أن الحزب الديمقراطي “لن يكون عكازا لقوى سياسية مناهضة للنظام و لن نشكل حكومة مع متطرفين “. وبالنسبة لمحللين سياسيين فإن استقاله رينزي من منصبه كأمين عام هدفه الأساسي إظهار للإيطاليين مدى عجز خصومه عن تشكيل ائتلاف حكومي و جعل الشعبويين و اليمين المتطرف يصطدمون بأرقام أفرزتها صناديق الاقتراع لن تمكن من تحقيق الأغلبية البرلمانية المطلوبة . ويرى مراقبون أن مغادرة رينزي تعني أن ” احتمالات الاتفاق بين الحزب الديموقراطي وحركة النجوم الخمس أكبر الآن نظرا لأن رينزي كان عقبة أمامه”. هذا الطرح أكدته صحيفة (لاريبوبليكا) في عددها الصادر اليوم ، حيث كتبت أن أعضاء بارزون في الحزب الديمقراطي عبروا أمس الثلاثاء عن استعدادهم لفتح حوار مع حركة خمس نجوم التي تصدرت نتائج الانتخابات، في تحدي واضح لرئيس الوزراء السابق ماثيو رينزي .

وبدوره يأمل لويجي دي مايو زعيم خمس نجوم في أن يفضي الخلاف القائم بين ماثيو رينزي وأعضاء الحزب الديمقراطي إلى تغيير في قيادة هذا الأخير ، وبالتالي فسح المجال للشروع في محادثات حول مواضيع يرتكز عليها برنامجه، وفي مقدمتها محاربة الفقر والهجرة و الأمن و التشغيل. واعتبرت صحيفة (كوريري ديلا سيرا) أن الائتلافات المحتملة لتشكيل الحكومة المقبلة تتأرجح بين حركة خمس نجوم والحزب الديمقراطي و بين تحالف اليمين و الحركة وهو احتمال ضئيل تم بين يمين الوسط و الحزب الديمقراطي ، مؤكدة أن “ليس هناك أي سيناريو مضمون يأمن الخروج من المأزق” ليبقى مستقبل إيطاليا مفتوحا على كل الاحتمالات أسوءها تولي اليمين المتطرف رئاسة الحكومة.

و في مقال بعنوان “كابوس أزمة الأغلبية.. ماتاريلا ينتظر أجوبة القادة ” أبرزت اليومية أن رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا ” لن يملي حلولا لتكشيل حكومة جديدة، بل يجب على القوى السياسية أن تقدم إجابات واضحة ، عندما يحين وقت ذلك”.

وحتى ذلك الحين يبقى السيناريو الذي يلوح في الأفق حاليا هو تشكيل ائتلاف يغير قواعد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي و يعدل قيود الميزانية التي يفرضها الاتحاد ، ويعطي أولوية أقل لتعزيز الاندماج الأوروبي. أما السيناريو الثاني فهو العودة إلى صناديق الاقتراع من جديد.