سعد أبو الدهاج: عرفت جهة الداخلة – وادي الذهب، خلال سنة 2019، دينامية قوية ميزت مشهدها السوسيو – ثقافي، من خلال إحياء وتنظيم العديد من التظاهرات والأحداث الثقافية والفنية ذات البعد المحلي والوطني والدولي.
وتندرج مجمل الأنشطة الثقافية والفنية، التي احتضنتها المنطقة على مدى الأشهر المنصرمة، في إطار تنزيل مقتضيات المكون الثقافي من عقد برنامج التنمية المندمجة لجهة الداخلة – وادي الذهب، الموقع أمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بين المجلس الجهوي ووزارة الثقافة.
وتبرز الغاية من تنظيم مثل هذه التظاهرات في تعزيز التنشيط الثقافي والموسيقي بجهة الداخلة – وادي الذهب، والتعريف على الخصوص، بالموروث الثقافي الحساني لدى الأجيال الصاعدة، وتشجيع المبدعين في مجالات الشعر والأدب والأغنية، ومواكبتهم، والتعريف بإبداعاتهم الفنية والأدبية وتثمينها.
واعتبارا لخصوصيات المنطقة، فإن الاهتمام يتركز أكثر على تشجيع ونشر الثقافة الحسانية كرافد من روافد الهوية المغربية وموروث يحافظ على التقاليد والعادات التي ترمز إلى وحدة الوطن، ورافعة أساسية لتحقيق نجاعة النموذج التنموي المحلي، وفرصة لتشجيع المبدعين الصحراويين في المجال الثقافي.
وفي هذا الصدد، نظمت المديرية الجهوية لوزارة الثقافة، خلال الفترة ما بين 18 و25 نونبر المنصرم بدار الثقافة الولاء، فعاليات الدورة العاشرة للمعرض الجهوي للكتاب والنشر بجهة الداخلة – وادي الذهب، تحت شعار “خير جليس في الزمان كتاب”.
ويهدف هذا المعرض إلى تعزيز المشهد الثقافي على الصعيد الجهوي وتقريب الكتاب والمعرفة من الساكنة المحلية ودعم الحركية الثقافية من خلال أنشطة موازية للمعرض، والتعريف بآخر الإصدارات الوطنية.
وانعقدت هذه التظاهرة تفعيلا لاستراتيجية وزارة الثقافة والشباب والرياضة –قطاع الثقافة- الرامية إلى ترسيخ الفعل القرائي عبر ربوع المملكة، ودعم الكتاب وتقريبه من المواطنين في جميع الجهات، وتنفيذا للبرنامج السنوي للمعارض الجهوية للكتاب وللبرنامج التنموي المندمج لجهة الداخلة – وادي الذهب.
ويتوخى هذا الحدث، الذي تميز بمشاركة حوالي 34 عارضا يمثلون مكتبات ودور نشر وطنية ومؤسسات عمومية تعنى بمجال النشر والكتاب، تعزيز وتثمين الفعل القرائي على صعيد جهة الداخلة – وادي الذهب، للمساهمة في جعل الكتاب في متناول جميع الفعاليات والفئات المهتمة بالشأن الثقافي.
واحتفاء بالذكرى العشرين لعيد العرش المجيد، استضافت مدينة الداخلة فعاليات الدورة الرابعة عشر للمهرجان الوطني للأغنية الحسانية، التي تهدف إلى النهوض بالثقافة الحسانية والرفع من إشعاعها الجهوي والوطني، وتأطير وتكوين وتأهيل المجموعات الموسيقية والشعراء، خاصة فئة الشباب منهم.
وتميزت هذه التظاهرة الثقافية، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تحت شعار “الموسيقى الحسانية.. عراقة وتميز”، بإحياء سهرات فنية تنهل من الفن الغنائي الحساني الأصيل، بمشاركة فرق موسيقية حسانية من الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة.
كما يعكس تنظيم هذه التظاهرة الدينامية التي يعرفها تنفيذ برنامج تأهيل وتثمين الموسيقى الحسانية على مستوى جهة الداخلة – وادي الذهب، والذي قطع أشواطا كبيرة منذ انطلاقه في سنة 2017.
على صعيد آخر، تميزت سنة 2019 بتنظيم فعاليات النسخة الأولى من الأسبوع الثقافي لبئر كندوز (إقليم أوسرد)، ما بين رابع وسادس نونبر المنصرم تحت شعار “الثقافة رافعة للتنمية المحلية وجسر تواصل مع الجوار”، وذلك في إطار الاحتفاء بالذكرى الرابعة والأربعين للمسيرة الخضراء.
ويروم هذا الحدث إبراز المكون الثقافي والتراثي والحضاري لهذه المنطقة، كموعد ثقافي وفني سنوي بامتياز لفائدة ساكنة المنطقة، وكذا تثمين التراث الحساني باعتباره جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وجعل الثقافة المحلية إحدى الدعامات الأساسية لنجاح النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة.
وبمناسبة تخليد ذكرى استرجاع إقليم وادي الذهب، استضافت دار الثقافة الولاء بالداخلة معرضا للفن المعاصر لفنانين فرنسيين وآخر برازيلي، يضم 26 لوحة فنية و9 مجسمات منحوتة.
ويهدف هذا المعرض، الذي يدعى “من باريس إلى الداخلة”، إلى تقديم وإبراز مجموعة من الأعمال الفنية غير المسبوقة من أجل تواصل فعال بين المدينتين.
وبإقليم أوسرد، أعطيت انطلاقة أشغال بناء محافظة على النقوش الصخرية والمواقع الأثرية بمركز بئر كندوز، بتكلفة إجمالية بلغت مليون درهم.
وتندرج هذه المنشأة، المنجزة على مساحة 365 متر مربع، في إطار تنفيذ مقتضيات المكون الثقافي للنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة، كما تطمح إلى الحفاظ على النقوش الصخرية والنهوض بها، وكذا تعزيز مكانتها كموروث حضاري.
كما شهدت الجهة، خلال هذه السنة التي تشرف على نهايتها، إعطاء انطلاقة عدد من المشاريع الثقافية التي ستعمل على إبراز المؤهلات الكبرى التي تتيحها هذه المناطق الغالية من ترابنا الوطني، وتعزيز الإشعاع الذي تحظى به مدينة الداخلة، لؤلؤة الجنوب المغربي.
وفي هذا الإطار، تم التوقيع، في يناير الماضي بالداخلة، على اتفاقية بين مستثمرين مغاربة وكنديين، من أجل بناء وتسيير أكبر مسرح في الهواء الطلق بإفريقيا، وذلك في إطار دعم قطاع الثقافة وتعزيز البنيات السياحية بجهة الداخلة – وادي الذهب.
وقال رئيس الجمعية الصحراوية للتنمية المستدامة وتشجيع وجلب الاستثمار، سيدي أحمد حرمة الله، إن بناء أكبر مسرح في الهواء الطلق في القارة بمدينة الداخلة سيشكل دعما قويا للقطاع السياحي وبنيات الاستقبال في الجهة، حيث سيقام مدرج خارجي تترواح سعته ما بين 5 و10 آلاف مقعد لاستضافة سهرات وعروض ترفيهية متنوعة، لاسيما تلك التي ستقدمها شركة “سيرك دو صولاي” العالمية الرائدة في مجال الترفيه والتنشيط السياحي.
وأضاف أن هذا المشروع الثقافي، الذي سيتم إنجازه على مدى 12 شهرا وبكلفة إجمالية تبلغ 25 مليون دولار، ستكون له انعكاسات اقتصادية مهمة على جهة الداخلة – وادي الذهب، بالنظر إلى أنه سيساهم في زيادة تدفق أعداد السياح إلى الجهة، وضمان تشغيل ما بين 150 و200 ألف شاب وشابة بعد تكوينهم لمواكبة وتسيير هذا المنشأة الفنية الكبرى.
كما تم وضع الحجر الأساس لبناء معهد الموسيقى والكوريغرافيا بحي المحيط بالداخلة، الذي تبلغ تكلفته المالية 14 مليون و431 ألف و771 درهم.
ويندرج بناء هذا المعهد، الذي تبلغ مساحته الإجمالية 2060 متر مربع، في إطار تنفيذ البرنامج التنموي للأقاليم الجنوبية، حيث ستعمل هذه المؤسسة الثقافية على تكوين مجموعة من الشباب المتخصص في الفنون الموسيقية والتعبيرية.
كما سيمكن هذا المعهد من دعم وتعزيز الحركة الفنية، لاسيما التناغم بين الموسيقى الحسانية والكلاسيكيات الموسيقية العالمية والعربية، وكذا مواجهة الخصاص الذي تعاني منه الجهة على مستوى البنيات التحتية الثقافية.
كل هذه الأنشطة والتظاهرات، مكنت فعاليات الداخلة من إشباع نهمها الفكري والأدبي والاستمتاع بأنغام وأشجان حسانية ووصلات من الأغاني الوطنية والدولية الكلاسيكية والشبابية، في تمازج يعزز من التنوع الثقافي ضمن وحدة عميقة في الأسس والمبادئ.