هاته الصفات التي جعلت منها شرطية خيالة جديرة بحمل هذا اللقب، تبرز صورة المرأة المغربية المعاصرة، الكفؤة والمنفتحة على محيطها، التي تفرض مكانتها في المجتمع، وتشق طريقها رغم الصعاب.
انضباطها وقوة عزيمتها من جهة، وحضورها الأنثوي ورقة تعاملها من جهة أخرى، جعلت الفارسة الشابة ذات الثلاثين ربيعا، تشق طريقها بخطى ثابتة وواثقة، نحو ميدان كان بالأمس القريب حكرا على الرجال.
بداية مسارها المهني كان بعد حصولها على الإجازة في القانون الخاص، بجامعة محمد الخامس السويسي، حيث التحقت هاته الشابة المنحدرة من العاصمة الرباط، بالمدرسة الملكية للشرطة سنة 2013، وتابعت التكوين الأساسي لمدة ستة أشهر، بمدرسة شرطة الخيالة، لتتخرج في نفس السنة، وتعلن بذلك رفقة خمس شرطيات أخريات، في لحظة تاريخية بارزة في المسار التقدمي للمرأة المغربية في كافة المجالات، وعلى رأسها ميدان الشرطة، عن تخرج أول فوج تابع لفرقة الخيالة يضم العنصر النسوي.
ويندرج قرار إدماج النساء في فرقة الخيالة في إطار استراتيجية الانفتاح التي تنتهجها مدرسة شرطة الخيالة بالقنيطرة على الخصوص، والمديرية العامة للأمن الوطني على العموم، والتي تهدف بالأساس إلى تمكين المرأة المغربية من المكانة المتميزة التي تستحقها.
عدم توفرها على خبرة أو تجربة مسبقة في كيفية التعامل مع الفرس، لم يثبط عزيمة فارستنا، التي قادها حبها للخيل وشغفها به حتى قبل التحاقها بسلك الشرطة، ورغبتها في خوض غمار تجربة جديدة وفريدة، إلى تجاوز مخاوفها ودفعها إلى الالتحاق بفرقة شرطة الخيالة.
ولأن طريق النجاح يكون محفوفا دوما بالمصاعب، فقد واجهت حنان نصيبها منها، فإقناع عائلتها الصغيرة بهذا الحلم “الصعب المنال” آنذاك، شكل أولى الامتحانات التي نجحت فيها هاته الشابة الطموحة بامتياز، حيث حولت تخوفات أهلها وشكوكهم حول إمكانياتها وقدراتها على تحمل أعباء عمل يعتبر، من منظور عام، حكرا على الرجال، إلى دعم وتشجيع وفخر بابنة مميزة، لا تعرف طعم الاستسلام.
هذا الدعم المعنوي الذي ساعدها على تجاوز عدة عقبات، لم يكن مصدره عائلتها فقط، بل يعود فيه النصيب الكبير إلى التشجيع الذي حصلت عليه حنان داخل أسوار مدرسة شرطة الخيالة، ابتداء من التكوين الذي استفادت منه والذي أشرف عليه عدة أطر ذوي كفاءات عالية من المغرب وخارجه، ووصولا إلى مساعدة زملائها من الرجال، حيث تقول حنان بكثير من العرفان إنه “بفضل نصائح زملائنا الرجال ودعمهم لنا استطعنا تجاوز مخاوفنا”.
أما خارج أسوار المدرسة، فسرعان ما تغيرت نظرات التعجب البادية على محيا المواطنين، إلى نظرات تقدير واحترام، مافتئ يعبر عنها الرجال والنساء، والأطفال والشيوخ، عند مشاهدتهم لحنان ببذلة الشرطة، وهي تمتطي صهوة جوادها، رفقة زميلاتها وزملائها من فرقة الخيالة.
وتحكي حنان، بكثير من الفخر والاعتزاز، عن مشاركاتها رفقة زميلاتها وزملائها في فرقة الخيالة، في تأمين كبريات التظاهرات الوطنية والدولية المنظمة بالمغرب. فبالإضافة إلى المهام الأمنية، المتمثلة بالأساس في تغطية الأماكن التي يصعب الوصول إليها بالنسبة لدوريات السيارات، والدراجات النارية، كانت فرقة الخيالة حاضرة بقوة في تأمين قمة (كوب22) التي أقيمت بمراكش، ومهرجان “موازين” الدولي، بالإضافة إلى تأمين كبريات مباريات كرة القدم على الصعيد الوطني.
ومن أبرز المحطات خلال عملها في فرقة الخيالة، تتذكر حنان والابتسامة تعلو وجهها، أول مشاركة لها في معرض الفرس بالجديدة، مشاركة قوبلت بكثير من الاستحسان من طرف الجمهور الحاضر، حيث قدمت فرقة الخيالة عروضا مبهرة ولوحات فنية غاية في الإتقان، تبرز الانسجام بين الفارس والفرس من جهة، وبين فرسان الفرقة من جهة أخرى.
وإذا كان عملها في سلك الشرطة جعلها كامرأة تكتسب الكثير من الشجاعة والعزيمة، فإن حنان تؤكد أن المرأة بحسها الأنثوي تستطيع تقديم إضافة لهذه المهنة، “فالشرطية المكلفة بترويض الخيول تحسن فن التواصل مع الخيل باعتمادها التعامل مع هذه الكائنات الحساسة بكثير من الرفق والصبر والمحبة، من أجل كسب ثقتها وربط علاقة وطيدة معها”.
وبفضل حسها العالي بالمسؤولية، وشغفها بعملها، تمكنت حنان من التميز بين زملائها، حيث تعتبر مثالا للانضباط، الشيء الذي مكنها من النجاح في مهامها، وأكسبها احترام وتقدير زملائها ورؤسائها على حد سواء.
ومنذ انضمامها إلى فرقة الخيالة، باتت حنان الأمامي تشعر أنها “قادرة على تحقيق أي هدف تصبو إليه”، فعملها مدها بشحنة كبيرة من الشجاعة، والثقة التي تظهر بشكل جلي خلال تأديتها لمهامها.
وعن مشاريعها المستقبلية، تؤكد حنان أنها عازمة على متابعة دراستها للحصول على شهادة “الماستر” في مجال دراستها، القانون الخاص، مبرزة أن المطالعة والبحث كانا ومازالا سلاحيها من أجل تطوير قدراتها ومعارفها، وإتمام مهامها على أكمل وجه.
” لا شيء صعب، لابد فقط من العزيمة والإرادة، والمرأة لا تختلف عن الرجل في شيء، فإن عزمت على تحقيق أي هدف يمكنها الوصول إليه”، تلك هي رسالة الأمل التي تبعثها حنان الأمامي لكل امرأة مغربية.