وأظهرت النتائج المحققة في مناطق مختلفة من جهات المملكة الوقع الإيجابي الكبير لتنزيل استراتيجية مخطط المغرب الأخضر سواء بالنسبة لدعامته الأولى التي توجهت نحو تحقيق تنمية زراعية سريعة ذات قيمة مضافة قوية وإنتاجية عالية ، والتي شملت عدة سلاسل إنتاجية . أو بالنسبة للدعامة الثانية التي أبانت بدورها عن حدوث تحول نوعي ملموس في تثمين المنتجات المجالية وعصرنة أساليب الإنتاج المرتبطة بالفلاحة التضامنية.
ولم يكن بلوغ هذه النتائج المبهرة ضربة حظ ولا هبة من السماء ، بل كانت ثمرة جهود متواصلة بذلت على مستوى التخطيط ووضع التصورات والبرامج الواقعية والبراغماتية ، إلى جانب انخراط مختلف المتدخلين في إنجاح هذا التحدي الذي انتقل من مجرد إرادة إلى واقع معاش تجند لتنزيله الفلاحون والممولون، والمهندسون الزراعيون ، والمستثمرون ، والمنتسبون إلى مجال البحث العلمي وغيرهم من الكفاءات .
وضمن هذه الرؤية ، تواصلت الدينامية المواكبة للذهاب بعيدا في تنزيل إستراتيجية مخطط المغرب الأخضر ، خاصة في دعامته الأولى المتعلقة بالفلاحة العصرية ، حيث استمر البحث العلمي المغربي في شقه المرتبط بالمجال الزراعي في التطور ، سواء على مستوى إنتاج الشتائل المصنفة والمتطورة لبعض المزروعات ، أو تثمين المنتجات الفلاحية ، أو ابتكار وسائل عمل جديدة بتسخير التكنولوجيا العصرية ، أو غيرها من مجالات البحث المختلفة .
وفي هذا السياق ، استطاع فريق علمي يضم أربعة مهندسين شباب (صهيب العلمي ، وأميمة لبو ، ومعاذ أومارير ، ومحمد مشطاطي) تحت إشراف الدكتور عباس كعيليل مؤخرا من ابتكار طريقة جديدة لمعالجة المزروعات جوا بالأدوية ، كما تتيح هذه الطريقة المبتكرة التقاط صور جوية دقيقة للمجالات المغروسة ، والمساعدة على الكشف المبكر عن الأمراض التي قد تلحق بالنباتات ، إلى جانب مجموعة أخرى من المزايا التي تخدم بشكل جلي النشاط الزراعي.
وتتمثل هذه الطريقة المبتكرة ، التي تم تقديمها أمس الأربعاء في مدينة ايت ملول (عمالة إنزكان ايت ملول) ، لنخبة من الفلاحين والمستثمرين الزراعيين المنتسبين لمنطقة سوس ماسة ، في ابتكار حوامة مروحية بدون طيار ( دغون) ، يصل قطرها 80 ر1 متر ، وعلوها 80 سنتمتر ، وتحمل خزانا للسوائل / الأدوية بسعة 20 لتر ، كما أنها مجهزة بمجموعة من المروحيات ذات قوة عالية تتيح إمكانية تحريك أغصان الاشجار حتى تنفذ إليها قطرات الدواء المرشوش.
وأوضح المهندس عباس كعيليل أن الحوامة ، التي لا يمكن تشغيلها إلا بعد الحصول على رخصة من السلطات المختصة ، مزودة بنظام اشتغال جد متطور ، حيث يمكن برمجتها لأداء مجموعة من الوظائف الدقيقة من ضمنها أخذ صور جوية دقيقة تظهر المساحات المسقية ، والمساحات غير المسقية ، أو تلك التي تحتاج إلى مزيد من الري ، حيث تعطي لكل واحدة من هذه المجالات الثلاثة لونا مغايرا.
كما يمكن للحوامة الواحدة أن تؤدي وظيفة معالجة المزروعات من الاشجار وغيرها من النباتات بالأدوية السائلة وذلك على مساحة تصل 60 هكتارا في اليوم الواحد ،( يصل الحد الأقصى لهذه العملية 20 هكتار باستعمال الصهريج المقطور بواسطة الجرار) ، مع ضمان الفعالية في أن يشمل رش الدواء جميع مكونات النبتة المستهدفة بتسخير حركة مروحيات الحوامة ، إلى جانب تقليص الكلفة المالية ( ناقص 30 إلى 40 درهم في الهكتار الواحد)، فضلا عن سرعة المعالجة .
وباستطاعة الفلاح المستفيد من خدمة الحوامة ، التي تطير على علو لا يتجاوز 30 مترا عن سطح الأرض ، الحصول على شهادة للعنونة ، خاصة بالنسبة للمنتجات الموجهة للتصدير نحو الأسواق الأجنبية التي تشترط أن لا تتجاوز كمية الدواء المستخدمة في الإنتاج حدا معينا.
وبهذا الخصوص أوضح الدكتور كعيليل أن هذا الابتكار التكنولوجي يجمع بين الفاعلية واحترام قواعد الحفاظ على البيئة ، حيث تأكد من خلال العمليات التجريبية أن استخدام الحوامة يتيح إمكانية اقتصاد حتى 40 في المائة من كمية الأدوية المستعملة ، مضيفا أن فاعلية الدواء المستخدم غير قابلة للمقارنة مع الطريقة التقليدية ،بفضل استعمال رشاشات “إلكتروستاتيكية ” مما يجعل قطرة الدواء المرشوش يصل قطرها من 50 إلى 200 ميكرومتر ( الميكرومتر الواحد هو قطر خصلة شعر تقريبا).
ويشتغل فريق البحث المغربي الذي طور هذه التقنية ، التي اصبحت قابلة للاستخدام من طرف المزارعين ، في الوقت على بلورة مخطط عمل طموح للمضي قدما في مزيد من التطوير لهذه التقنية ، وذلك بما يسمح بتقديم خدمات أخرى تنسجم مع رؤية مخطط المغرب الأخضر، وذلك من قبيل تطوير نظام لرش الدخان الذي يحارب حشرة البعوض ، والتقاط صور دقيقة تسمح باحتساب عدد حبات الفاكهة في الاشجار المثمرة ، والتشخيص المبكر بعض الامراض التي تصيب النباتات.