مسيرة دراسية طويلة قطعتها جالو في دراسة اللغة العربية والعلوم الشرعية منها 12 سنة في المغرب. تقول أمينة جالو التي ولدت في مدينة مامو (وسط غينيا) سنة 1986، في اتصال هاتفي لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها وطئت قاعة الدرس أول مرة في المدرسة العربية –الفرنسية بحي كيمبيلي سنة 1993، دون أن تدري أن القدر رتب لها موعدا خارج بلدها، وفي المملكة المغربية تحديدا، لتكون أول غينية تحوز شهادة دكتوراه من أرقى مؤسساتها العلمية الدينية.
والمدارس العربية الفرنسية في غينيا كوناكري هي من صنف المدارس المزدوجة التي تدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية في التعليم العمومي أو المدارس الإسلامية التي تدرج مناهج التعليم الحكومي في برامجها.
وفي مدرسة كيمبيلي، تلقت أمينة أولى حروف الهجاء وسور القرآن الكريم وأحاديث النبي الأكرم، لتواصل مسارها حثيثا إلى حدود سنة حصولها على الباكالوريا سنة 2006 من معهد الأخوة الإسلامية (مدرسة أهلية)، لينفتح أمامها الأفق وسيعا لمتابعة الدراسة في المغرب.
“قدمت إلى المغرب سنة 2006، على حساب الدولة بعد أن كنت الأولى في الباكالوريا في إقليم مامو، والرابعة على مستوى الجمهورية”، تقول جالو، مضيفة أنها التحقت تلك السنة بكلية الشريعة التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس، والتي حصلت فيها على شهادة الإجازة بعد ثلاث سنوات (2009).
وفي السنة ذاتها، ستلتحق جالو بسلك الماستر في دار الحديث الحسنية الرباط، المؤسسة المرموقة على الصعيد العربي والإسلامي في مجال الدراسات الإسلامية، والتي تتمثل مهمتها الرئيسية في تكوين أجيال من العلماء القادرين على الاجتهاد وإعطاء الإسلام الحنيف صورته المشرقة.
وفي هذه الدار التي توفر ظروف دراسة ملائمة لطلبتها، تابعت جالو دراساتها العليا، وحصلت خلالها على شهادة الماستر سنة 2012، لتشرع في تحضير أطروحتها للدكتوراه بعنوان “شرح العمل الفاسي لمحمد بن أبي القاسم السجلماسي. تقديم وتحقيق الجزء الأول” تحت إشراف الأستاذ بدار الحديث الحسنية، الدكتور عبد الحميد عشاق.
ويقول الأستاذ عشاق في اتصال هاتفي مع وكالة المغرب العربي للأنباء، إن الدكتورة الباحثة أمينة جالو تعد “من خيرة طالبات وباحثات مؤسسة دار الحديث الحسنية، في تخصص الفقه وأصوله، وكنت اقترحت عليها الاشتغال على مخطوطة صعبة من حيث عدد نسخها وقراءتها، ولكنها أثلجت صدري وأقرت أعين الأساتذة بالجهد المقدر المشكور الذي بذلته في تحقيق هذا الكتاب النفيس الذي هو من عيون الشروح المعتمدة في فقه العمليات على كتاب الفقيه الفاسي الذي يعد من ذخائر التراث الفقهي المغربي”.
وأوضح الأستاذ عشاق أن “الباحثة الدكتورة بذلت جهدا كبيرا في جمع مخطوطات الكتاب، وانخرطت في دورات تكوينية خاصة بتحقيق المخطوطات داخل المغرب وخارجه، باعتبار أن النص الفقهي يتسم بطبيعة صعبة”، مضيفا أنها “استطاعت أن تتجاوز العقبات وتتمكن من جمع إحدى وخمسين نسخة إضافة إلى الطبعات الحجرية”.
وخلص الأستاذ المشرف على أطروحة جالو إلى القول إنه “أنوه بهذه الطالبة وأدعو لها بالتوفيق ومزيد من التألق في مسيرتها العلمية. لقد رفعت رأس دار الحديث الحسنية عاليا بالتقدير الذي حظيت به من قبل لجنة المناقشة، وهو تقدير (مشرف جدا مع التوصية بالطبع)، وهذا من فضائل مؤسستنا العلمية والحمد لله”.
كانت جالو محفوفة بأفراد من عائلتها وأصدقائها وزملائها، وهي تترقب تعليق لجنة المناقشة على الأطروحة، وهو التعليق الذي نزل بردا وسلاما على قلبها: “مشرف جدا مع التوصية بالطبع”. تقول أمينة إن هذا “بعث في قلبي الفرح والسرور، وأحمد الله تعالى على هذا العطاء”، لاسيما وأنها أول طالبة غينية تحصل على هذه الشهادة المرموقة.
وفي تعليقها على هذا التتويج، تقول، الحاجة حسنة انيان، وهي عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في غينيا كوناكري، “أنا مسرورة جدا بهذا الحدث التاريخي للغينيين عامة، وللمرأة الغينية على وجه الخصوص (..) هذا أول إنجاز من نوعه في تاريخ بلدنا ونرجو أن يكون بداية ونموذجا لفتياتنا حتى يرتقين في مدارج العلم”.
وأضافت حسنة، وهي أيضا خريجة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “على المرأة أن تواكب العلوم، وعصرنا يطالب بتوافر العالمات”، مبرزة الحاجة لتوفير منح دراسية لفتيات بلدها حتى يتمكن من ولوج آفاق جديدة تيسر لهن فرص تعزيز مستواهن العلمي في ظروف جيدة.
وحرصت المرشدة الغينية على التأكيد في هذا التنويه ب”جهود المغرب الجبارة في تكوين كوادر ودعاة وأئمة غينيا خاصة، ومن مختلف دول العالم عامة، ونسال الله القدير أن يحفظ المغرب ملكا وشعبا”.
ويبدو أن حسنة ليست الوحيدة التي سعدت بهذا “المنجز” الذي حققته مواطنتها، ذلك أن صفحة أمينة جالو على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك) حفلت بمئات نقرات الإعجاب والتعليقات من جانب زملائها وأصدقائها وأقاربها، لاسيما وأن عددا ممن حضورا جلسة المناقشة نقلوا الحدث على المباشر على صفحاتهم وأشاعوا الفرح في قلوب المتتبعين.
وفي واحد من التعليقات التي تعبر عن هذا الفرح، يقول مواطنها سيكو عمر “ما شاء الله بارك الله فيك وفي علمك وأجزل ثوابك يا أختي الغالية، كلما أردت أن أعبر مدى فرحي بهذه الدكتورة لا أجد كلمة مناسبة لأكتبها ببناني، ولكن دعوني أقول كما قال الشاعر: (ولو أن النساء كمن عرفنا ++ لفضلت النساء على الرجال// فما التأنيث لاسم الشمس عيب ++ ولا التذكير فخر للهلال)”.
لا تخفي جالو إعجابها بالنموذج المغربي في تدبير الشأن الديني، معتبرة أنه “نموذج رائع سمته الوسطية”. وفي تعليقها على تجربة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، والذي يستفيد عدد من أبناء وبنات بلدها من التكوين فيه. تقول جالو إن الأمر يتعلق ب”تجربة ناجحة.. أتمنى للقائمين عليه التوفيق في مهامهم وأن يستمروا في مثل هذه الأعمال”.
هكذا إذن، تكون أمينة جالو رسمت مسارا دراسيا متميزا بدأت خطوته الأولى من بلدة في أقاصي إفريقيا جنوب الصحراء وتو جت ه في عاصمة المغرب، ولا شك أنها ستواصله بشكل حثيث مسلحة في ذلك بإيمانها بقدرة النساء الإفريقيات على اقتحام عقبات التحصيل، ومقدمة نموذجا لبنات بلدها بأن من سار على الدرب وصل.
وفي كلمتها الأخيرة، تقول الدكتورة الشابة أمينة جالو “أشكر كل الذين كان لهم فضل علي خلال هذه الرحلة العلمية، وأشجع كل الفتيات على الدراسة والتعلم سواء منهن الكبيرات أو الصغيرات”.