ويجدر بنا في كل محطة ومنعطف أن نذكر بهذه المنظومة، بله أن نستحضرها كلما ألمت بهذه المنظمة العتيدة أزمة من الأزمات تضع هويته ووضعه الاعتباري ومسيرته موضع شك ومساءلة، كما يحدث اليوم، ونحن نتابع مجريات ذات صلة بمؤتمره المعلن عن تأجيله باستمرار؛ أو كلما حدثت طفرات نوعية وكمية في حياتنا الثقافية الوطنية، تسائل كل مقومات الدينامية الإبداعية والثقافية والمجتمعية، بل والروحية كما يحدث في الطفرة القوية التي يعرفها المغرب ومحيطه المغاربي العربي الإسلامي من جهة، وما تفرضه الثورات الانسانية، تقنيا وفلسفيا ورقميا وسلوكيا من جهة ثانية.
ولعل هذه الثوابت التي تنشط الدورة الثقافية الوطنية، وفي قلبها اتحاد كتاب المغرب، تمثل منارة دينامية في الوضع الراهن يحسن بنا أن نستعيد وهجها وأثرها في حياتنا الداخلية للمنظمة.
ومن هنا، فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي اعتبر دوما أن الثقافة محرك تاريخي جوهري، وبنى مشروعه المجتمعي على كون بناء الانسان مسألة في جوهرها ثقافية، لا يمكنه أن يتصور مجتمعا مغربيا حداثيا وديموقراطيا يسير باتجاه التاريخ، وقادر على تملك تقدم البشرية في كل المجالات، إِنْ نحن أسقطنا من المعادلة دور الثقافة والمثقفين في سبر أغوار الممكنات التاريخية للمرحلة الحالية والمستقبل المنظور.
ونحن نتابع اليوم ، ما يجري، نريد أن نعرب بوضوح تام عن رفضنا للزج باتحاد المثقفين في لعبة «غميضة تنظيمية»، تبعد الاتحاد عن قاعدته من المثقفين وتزج به في حسابات ظرفية تشوش تشويشا غير مسموح به على جوهر رسالته، متمثلة في الانتصار للوحدة الوطنية والابتعاد عن استغلال مقيت لقدسية التراب الوطني في الصحراء الغالية، لربح رهان فرداني متقوقع على ذاتيات بعينها.
نقول بالوضوح التام إن التعاقد الذي يربط الاتحاد الاشتراكي بمناضليه في كل القطاعات، الاجتماعية.. والنقابية والمدنية والثقافية، هو تعاقد مبنى على الصدق، والتفاعل الايجابي مع اللحظة الوطنية التي تعيشها بلادنا بفخر كبير. تعاقد ديدنه الدائم والصريح هو خدمة المجتمع من أي موقع كان، وعندما يكسر أي عضو من الأعضاء هذا التعاقد، فإنه يضع نفسه خارج الاتحاد، وبمنأى عن أهدافه ودعمه ومساندته.
واليوم، فإن الاتحاد الاشتراكي الذي دفع الثمن غاليا من أجل القضية الوطنية والوحدة الترابية يرفض رفضا باتا أن تكون رمالنا الوجودية ساحة لترسيم التشتت والعطالة الحلقية في منظمة مثل اتحاد كتاب المغرب. ولعل مثقفيه ومثقفاته ومبدعيه ومبدعاته، يعرفون بفعل المجاورة التاريخية العميقة بحزب القوات الشعبية أنه لن يقبل تحت أي ذريعة كانت أن يرتبط اسم حزب القوات الشعبية بمغامرة غير محسوبة العواقب.
ثانيا، إن المنتظر من كل محطة من محطات اتحاد كتاب المغرب هو توفير شروط النهوض برسالته الثابتة، ضمن ما سبق ذكره، وتوفير شروط إحداث قفزة نوعية في الاتجاه الصحيح، وربط المنظمة بواقعها المجتمعي وبأسئلة المجتمع الذي يعرف حيوية ثقافية كبيرة، تتطلب وجود منظمة كبيرة بأفق واسع، بعيدا عن التموقع الفردي، وعن النرجسية المفرطة، وبعيدا عن التخندقات المثخنة بالسراب.
نحن في الاتحاد ندرك، بفعل ربط جدلي دائم بين دور المثقفين ومنظماتهم وبين تعبيرات المجتمع الأخرى، أن اتحاد كتاب المغرب جزء من حيوية كبرى، وجزء من النسيج الثقافي العام، في محيطنا العربي الإسلامي الأمازيغي والافريقي المتوسطي.. بكل ما يعنيه ذلك من مهام جسيمة ملقاة على المثقفين، وعلى منظمتهم العتيدة.
ثالثا: إن هاته المقدمات تقود إلى مخرجات شبه إجبارية في تصليب عود المنظمة، وتوضيح رؤيتها، وتعزيز موقعها الذي اكتسبته بجدارة تاريخية لا غبار عليها، ومنها حصول توافق ديموقراطي واسع حول مقومات النهضة التنظيمية والفكرية للاتحاد، تجد فيه مكونات الحقل الثقافي إمكانية الاشتغال والتفاعل البيني والتراشح المعنوي والروحي الذي يسمح بأداء مهمة نبيلة مثل مهمة الاتحاد.
إننا نعتبر أن كل الشروط التاريخية والمجتمعية قد نضجت للقيام بها على أحسن وجه، عوض النزعة المغامرة التي تفضي إلى الجمود أو التفكك لا قدر الله. كما ندرك، في الوقت ذاته أن الاستفراد بالرأي، والنرجسية القاتلة، والتهريب تحت لواء الوطنية، وتبخيس الاجيال المؤسسة والجديدة بتغييبها بألاعيب الترتيب القبلي للمؤتمر، ليست من قيم اتحاد كتاب المغرب، ولن يكتب لها أن تنطلي على ذاكرة الكتاب وعقولهم وبصيرتهم المتنورة..
وعليه نعلن فتح جريدتنا لكل الآراء التي تسير باتجاه تقديم خدمة للاتحاد، وتطوير إنتاجه وأدائه، ونعتبر بأن الحاجة إلى حوار وطني واسع ومفتوح وبعيد لترصيد ما تحقق، وتجويد ما هو موجود، واجتراح آفاق أفضل، شرط واجب توفيره بما يتطلبه ذلك من شجاعة أدبية، ومن نقد ونقد ذاتي، كل ذلك يعد من مقومات الهوية الفكرية للاتحادين معا.
وفي إطار مسؤوليتنا، سنعمل على فتح نقاش مؤسساتي، مفتوح في ندوة وطنية تحضرها فعاليات الحقل الثقافي، لتبادل وجهات النظر في رسالة الاتحاد حاليا ومستقبلا، وفي مقومات تحديث هياكله، لجعله مخاطبا جديا وذا مصداقية، تلتف حوله العقول المغربية المبدعة في مجالات نشاطها الثقافي المتنوع.
ختاما، إن عودة التوهج لاتحاد كتاب المغرب، هو جزء من إعادة توهج النبوغ المغربي الذي ميز تاريخنا، وجعل المثقفين يروون سيرة بلادهم، ونهوضها ونهضتها وتقدمها، على الضفة السليمة من التاريخ.