فالعالم أصبح يدرك استعجالية التحرك من أجل التصدي للتغيرات المناخية، التي أصبحت تشكل تهديدا خطيرا على الصحة العامة، من خلال وضع ضوابط وإجراءات تستهدف التقليص من الانبعاثات، واستباقية المخاطر، ووضع استراتيجيات تتلاءم مع هذه التغيرات.
فإذا كانت جائحة “كوفيد-19” قد تسببت في ارتفاع مأساوي لحالات الوفيات، وانهيار قوى مهنيي الصحة مع تدفق المصابين بالعدوى على المسشفيات المكتظة بالمرضى، وضعف توفر الأطقم الطبية على الأجهزة الكافية، والتطور المتسارع للفيروس، فإن أزمة المناخ أضحت أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، حيث يتم تسجيل ملايين الوفيات لأسباب يمكن الوقاية منها.
ووفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية، فإن أزيد من 13 مليون حالة وفاة يتم تسجيلها في العالم كل عام تعود لأسباب بيئية يمكن تجنبها.
وبمناسبة يوم الصحة العالمي لهذه السنة، الذي ي حتفى به في السابع من أبريل، وجهت منظمة الصحة العالمية نداء عاجلا للتعجيل باتخاذ إجراءات تهدف إلى الحفاظ على الصحة وحمايتها والتخفيف من حدة أزمة المناخ من خلال تبني شعار “كوكبنا، صحتنا”.
وحسب بيان أصدرته المنظمة بهذه المناسبة، فإن أزمة المناخ تشكل التهديد الصحي الأكبر الذي تواجهه البشرية، ناهيك عن كون أكثر من 90 في المائة من سكان العالم يتنفسون هواء يتجاوز حدود تلوث الهواء و”يهدد صحتهم” ويتسبب لهم في أزمات صحية.
وسجلت أن الظواهر المناخية التي يشهدها العالم، ولاسيما ارتفاع درجات الحرارة واستمرار نشر البعوض للأمراض بوقع أسرع من أي وقت مضى، يتسببان في تدهور الأراضي وندرة المياه وفي تشريد الملايين من الأشخاص بما يؤثر بشكل سلبي على صحتهم، مضيفة أن المواد الملوثة والبلاستيكية التي تغزو أعماق المحيطات وأعالي الجبال، تشق طريقها نحو السلاسل الغذائية.
ونقل البيان عن المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس قوله “إن أزمة المناخ أزمة صحية: فالخيارات غير المستدامة التي تقتل كوكبنا هي نفسها تلك التي تقتل الناس”، مؤكدا “الحاجة إلى حلول تحويلية لكي يقلع العالم عن إدمانه للوقود الأحفوري، ويعيد النظر في الاقتصادات والمجتمعات بأسلوب يركز على الرفاه وحماية صحة الكوكب التي تعتمد عليها صحة الإنسان”.
وبغرض ضمان التعافي الصحي والمراعي للبيئة من “كوفيد-19″، تشدد المنظمة على أهمية حماية الطبيعة والحفاظ عليها بوصفها مصدر الصحة للإنسان، والاستثمار في الخدمات الأساسية، من المياه والطاقة النظيفة، وفي مرافق الرعاية الصحية؛ وضمان الانتقال السريع والصحي في مجال الطاقة، وتعزيز الن ظم الغذائية الصحية والمستدامة، وبناء مدن صحية وصالحة للعيش، والتوقف عن تمويل التلوث.
وأضافت أن الأنظمة التي تنتج أطعمة ومشروبات غير صحية تتسبب في زيادة انتشار ظاهرة السمنة وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض القلب، وتسهم في الوقت ذاته في توليد ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
كما أبرز البيان أوجه عدم المساواة المستشرية في العالم إزاء الفجوات في التغطية الصحية وانعدام المساواة في مجال الصحة، والتي كشفت عن مواطن الضعف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للعديد من البلدان.
وتابعت المنظمة أن “هذه الحاجة الملحة تدفعنا اليوم إلى البحث عن إقامة مجتمعات مستدامة تنعم بالرفاه” وملتزمة بتحقيق الإنصاف في مجال الصحة في الحاضر والمستقبل للأجيال المقبلة دون تخطي الحدود الإيكولوجية المطلوبة للحياة على كوكب واحد.
وأبرزت أن تصميم الاقتصاد الحالي، الذي ينبني على توزيع غير منصف للدخل والثروة والسلطة، جعل أعدادا كبيرة من الأفراد يرزحون تحت عتبة الفقر وانعدام الاستقرار، فيما تتمثل أهداف الاقتصاد المرفه في أن ينعم الإنسان بالرفاه والإنصاف والاستدامة الإيكولوجية، وتترجم تلك الأهداف إلى استثمارات طويلة الأجل، وميزانيات تحقق الرفاهية، وحماية اجتماعية، واستراتيجيات قانونية ومالية.
وخلصت منظمة الصحة العالمية إلى أن كسر هذه الحلقات المدمرة لكوكب الأرض وصحة الإنسان يتطلب اتخاذ إجراءات تشريعية وتنفيذ إصلاحات مؤسسية وتزويد الأشخاص بالدعم والحوافز اللازمة لاتخاذ خيارات صحية.
و.مع/ح.ما