وقالت السيدة الخمليشي، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لندوة دولية حول “حماية الأطفال خلال الأزمات الإنسانية” من تنظيم اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، “إذا كانت قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني والقرارات الأممية الصادرة لتعزيز حماية الأطفال، ترمي بالأساس إلى توفير أكبر قدر ممكن من تلك الحماية في زمن النزاعات المسلحة، فإن ذلك لم يثن أطراف النزاع في عدد من بؤر التوتر في العالم، عن ارتكاب انتهاكات جسيمة، لا تزال الآليات المتوفرة قاصرة عن محاسبة مرتكبيها”. وتوقفت بهذا الخصوص، عند ما تشهده القارة الإفريقية لحد الآن من “خروقات خطيرة لقواعد حماية الأطفال في النزاعات المسلحة، إذ تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بأخبار عن تجنيد الأطفال واغتصاب طفولتهم عبر إخضاعهم للتدريب العسكري وإقحامهم في عمليات عدائية بكل من الساحل وإفريقيا الشرقية ومخيمات تندوف بالجزائر، تحت إشراف جماعات مسلحة مثل بوكو حرام والقاعدة بمنطقة الساحل والشباب وميليشيات البوليساريو، لا تعبأ بالقوانين الدولية ولا تقيم حسابا للمجتمع الدولي”.
وأشارت السيدة الخمليشي إلى أن هذه الندوة تروم الوقوف على الفجوة الموجودة في بعض الأحيان بين الإطار المعياري والواقع المعيش، ومناقشة سبل تقليص تلك الفجوة من جهة، ومن جهة أخرى، إثارة الانتباه إلى الممارسات غير المقبولة إنسانيا وقانونيا والتي تتعاطاها جيوش أو جماعات مسلحة مثل بوكو حرام أو البوليساريو أو غيرها ” وذلك كما تنقلها وسائل الإعلام تحت أنظار المجتمع الدولي الذي أصبح مطالبا بإلحاح بأن يسائل تلك المنظمات والميلشيات التي أصبحت تتحداه علانية، ويعرضها لما تستحقه من عقوبات”.
وبخصوص المغرب، أكدت رئيسة اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني أن “المملكة المغربية الحريصة، تطبيقا للدستور، على النهوض بالقانون الدولي الإنساني والمساهمة في تطويره، قد اتخذت العديد من المبادرات التي تسير في اتجاه ما تسعى إليه الأسرة الدولية من حماية للطفل وإبعاده عن كل ما ينتهك براءته الطفولية في النزاعات المسلحة”.
من جهتها، قالت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، السيدة عواطف حيار، إن هذه الندوة الدولية تشكل إضافة نوعية من أجل ترسيخ البعد الحقوقي وتعزيز مكانة الطفل وحماية مصلحته الفضلى، واستشراف آفاق عملية “للتصدي لهذه الجرائم غير الإنسانية والمشينة والتي يذهب ضحيتها الأطفال بما فيهم الأطفال المحتجزين والمجندين بمخيمات تندوف”.
وأبرزت أن الاهتمام بأوضاع الطفولة بالمغرب وحمايتها هو “توجه راسخ” تعكسه العناية السامية التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لقضايا الطفولة، وكذا ما تضمنه دستور المملكة من إشارات بالغة الأهمية ذات الصلة بالموضوع، إضافة إلى ما ورد في مختلف البرامج الحكومية المتعاقبة، وكذا السياسات العمومية والبرامج الوطنية الخاصة بالنهوض بوضعية الطفولة في مجالات الصحة والتربية والتمدرس والحماية والمشاركة والترفيه، والتي تعرف تعبئة وانخراطا تاما لمختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية، وجمعيات المجتمع المدني في تفعيلها بمشاركة الأسر والأطفال أنفسهم. وأوضحت الوزيرة أن المغرب يحرص على الدوام على الانخراط في الدينامية الدولية للنهوض بحقوق الطفل ومناصرتها وتفعيلها، مشيرة إلى أن المملكة انخرطت بكل وضوح في المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، وصادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1993 وعلى البرتوكول الإضافي الملحق بها والمتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة سنة 2002.
وأبرزت في السياق ذاته، أن فحص التقرير الأولي حول البرتوكول المتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة سنة 2014 أبان أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية مهمة في مجال حماية حقوق الطفولة “حيث جعل المغرب حماية الأطفال من بين أولوياته، وعمل على تضمين هذه الحماية في مختلف تشريعاته القانونية من خلال وضع ترسانة قانونية تنظم عملية التجنيد والخدمات العسكرية بما يتفق مع القانون الدولي”.
من جهتها، لفتت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السيدة آمنة بوعياش، إلى وجود تأكيد وإجماع دولي على أن تجنيد الأطفال إلزاميا أو طوعيا في النزاعات المسلحة وغير المسلحة يشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي ويرقى إلى مرتبة جرائم حرب، مبرزة أن قرارات مجلس الأمن أدانت في كثير من المناسبات تجنيد واستخدام الأطفال.
وبعدما أبرزت أن حماية الأطفال خلال الأزمات “ليست بالدرجة المطلوبة أو المنصوص عليها عالميا”، سجلت أن هذا الأمر “يضع الطفل في وضع دائم لانتهاكات جسيمة”.
وأضافت أنه بقدر ما تبقى هذه الحماية نسبية أو غائبة كليا في عدد من مناطق النزاع، فإن الحركات المسلحة الغير الدولتية لا ترضخ لها كليا، مبرزة أن “مسؤولية المنتظم الدولي اليوم، لا ينبغي أن تتوقف عند حماية الأطفال بمناسبة الأزمات بما فيها المسلحة، بل يجب أن تتجدد وتتطور بمناسبة بناء السلم، باعتباره، يشكل إطارا انتقاليا لإعادة ترتيب الأولويات في البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأن أي إغفال لوضع حماية الأطفال في قلب بناء العملية السلمية، سيحولهم بالضرورة إلى وقود متجددة للنزاعات الجديدة”.
وخلصت السيدة بوعياش إلى أن ترافع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، من أجل النهوض وبناء ودعم تحالفات عالمية لإنهاء الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الأطفال، يتطلب كذلك اتخاذ المزيد من التدابير الردعية الرامية إلى منع إشراك الأطفال واستغلال هشاشتهم في النزاعات.
بدورها، أشارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال في النزاعات المسلحة، السيدة فيرجينيا جامبا، في كلمة مصورة، إلى أن النزاعات تشكل أبرز الأزمات الإنسانية التي يعرفها العالم، موضحة أنه غالبا ما تؤثر هذه النزاعات بشكل كبير على المدنيين والأطفال .
وحذرت من أن العدد الكبير من الانتهاكات الممارسة في حق الأطفال “يبقى مقلقا”، مبرزة أن تجنيد الأطفال ورفض ولوج المساعدات الإنسانية تشكل أبرز الانتهاكات المسجلة خلال هذه السنة.
وشددت المسؤولة الأممية على أن التحديات المطروحة أمام حماية الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع “تظل غير مقبولة في نظر القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان وحقوق الطفل”، مشيرة إلى أن هشاشة الأطفال قد تفاقمت، مما يحرمهم من التوصل بالمساعدة التي هم في أمس الحاجة إليها.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة الدولية تروم المساهمة في إثارة الانتباه الوطني والدولي لأسوء أشكال استغلال الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة، وذلك في ضوء القانون الدولي الإنساني، والتعرف على الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة ومختلف المنظمات الدولية لحماية الأطفال خلال النزاعات المسلحة.
كما تتوخى تقاسم الممارسات الفضلى في ميدان حماية الأطفال خلال النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية، وكذا إثارة الانتباه للظروف المتردية للأطفال خلال النزاعات المسلحة بإفريقيا، وتجنيدهم في الساحل وفي مخيمات تندوف وفي إفريقيا الشرقية، من لدن الجماعات المسلحة، من بينها بوكو حرام والقاعدة بمنطقة الساحل والبوليساريو والشباب.