وأكد السيد الطوسة، في مقال تحليلي نشر اليوم الأحد، على الموقع الإلكتروني “أطلس أنفو”، أنه حتى أعداء الأمس “الشرسون والماكرون” يوافقون على هذا الطرح اليوم، في الوقت الذي لم تعد فيه الشرعية الدولية التي تجسدها الأمم المتحدة تتحدث عن فرضية الاستفتاء، التي أضحت مع مرور الوقت “متجاوزة وغير قابلة للتطبيق”.
وتساءل الخبير السياسي “إذن ما الذي ينبغي فعله مع “البوليساريو” وميليشياتها ؟ ما العمل مع المحتجزين في مخيمات تندوف بالجزائر ؟ معتبرا أن “هذه التساؤلات لم يسبق أن كانت ذات أهمية وشرعية أكثر من الآن. والسبب وجيه: ما يسمى عادة بـ “قضية الصحراء” تتجه نحو الطريق المسدود بالنسبة للنظام الجزائري وأضحت مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي”.
وبالنسبة للجزائر – يضيف السيد الطوسة- فإن القضية أضحت معقدة وتميل نحو معادلات ذات ثمن سياسي باهظ، فبفعل عزلته الناتجة عن عناده في دعم انفصاليي +البوليساريو+، “يتخبط النظام الجزائري في التناقضات إلى حد السخرية”، مشيرا إلى أن دبلوماسيته تروج من جهة إلى أنه لا علاقة لها بهذا النزاع، ومن جهة أخرى، فإن جيشه يوفر المأوى، الحماية والأسلحة الثقيلة لميليشيات “البوليساريو”.
وأشار الخبير السياسي إلى أن النظام الجزائري، يحشد من جهة، ترسانته الدبلوماسية لتسويق الوهم الانفصالي، ومن جهة أخرى يرفض اعتبار نفسه طرفا في هذه الأزمة الإقليمية، والمشاركة في الموائد المستديرة التي تستعد الأمم المتحدة لتنظيمها، قصد إيجاد تسوية سياسية لهذا النزاع المفتعل.
وفي ما يتعلق بالخسائر، يضيف السيد الطوسة، فإن “البوليساريو” أصبحت بمثابة سم قاتل بالنسبة للقدرات الجزائرية. فدعمها يكلف الاقتصاد الجزائري بشكل كبير، حيث كان بوسعه حشد ثروته لمعالجة الجروح الاجتماعية التي يعاني منها المواطنون الجزائريون، الذين لا يرى غالبية شبابهم من أفق سوى العبور المميت للبحر الأبيض المتوسط.
وأكد الخبير السياسي أنه إلى جانب ذلك، تسبب هذا الإصرار الجزائري على التمسك بجبهة “البوليساريو” في عزلة غير مسبوقة للبلاد. وبسبب “البوليساريو”، حرم النظام الجزائري من الدخل الذي كان يوفره له خط أنبوب الغاز المتوجه إلى أوروبا، والذي يمر عبر المغرب. ومنذ إغلاقه، لم تخسر الجزائر الأموال التي يحتاجها اقتصادها بشدة فحسب، بل تفقد أيضا ما تبقى من مصداقيتها كدولة، مشيرا إلى أن الدول الأوروبية، الإفريقية أو العربية ستفكر مرتين قبل القيام بأي شيء بناء مع “نظام ذي مزاج متقلب”.
وأوضح أن مثالين يجسدان هذا الوضع، هما القلق الصامت الذي يهيمن على إسبانيا وخلفها الاتحاد الأوروبي في مواجهة التساهل، وحتى اللا مسؤولية التي يتم التعامل بها مع هذا النظام بخصوص قضايا خطيرة، من قبيل الغاز، الهجرة، انعدام الأمن، ومحاربة المنظمات الإرهابية.
وأضاف كاتب المقال التحليلي أن المثال الثاني يتمثل في عدم قدرة الجزائر على تنظيم قمة عربية بسبب المواقف المتناقضة، والرغبة في الإبحار ضد التيار، وزرع الفتنة والفوضى والانقسامات، في الوقت الذي تحتاج فيه جميع هذه الدول العربية إلى التعاون والتضامن أكثر من أي شيء آخر، متسائلا حول ما إذا كان الأمر يتعلق بمسألة وقت.
وفي هذا الصدد، أكد الخبير السياسي أن الوقت ينفد والجزائر ملزمة بالانضمام إلى المجتمع الدولي في دعمها لحل الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب.
وسجل السيد الطوسة أنه إذا فعلت ذلك، فلن يكون هناك خطر لقيام ثورة شعبية لمعارضة هذه الخطوة. فقضية “البوليساريو” لم تسبق أن كانت قط شأنا يخص الشعب الجزائري، بل ملفا يشكل خط ائتمان بالنسبة للجيش الجزائري، ورقة للضغط وزعزعة الاستقرار، مضيفا أنه إذا تم اتخاذ هذا المنعطف، فإن “الجزائر ستكون متحررة بعد بعض الاستياء داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية”.
وسجل الخبير السياسي أن النظام الجزائري بدأ يشعر، علاوة على ذلك، بثقل الضغط الدولي مع بدء سلسلة من المحاكمات الدولية للمسؤولين الجزائريين المتورطين في جرائم خلال العشرية السوداء، كما يتجسد من خلال محاكمة الجنرال خالد نزار في سويسرا.
وبالموازاة مع ذلك – يؤكد الخبير السياسي- تواصل الدبلوماسية المغربية في حصد النجاحات، التي ينبغي لها التعامل مع تحديين مستقبليين باهتمام خاص؛ الأول هو الانخراط في عملية سياسية ودبلوماسية نهائية تتمثل في طرد “الجمهورية الصحراوية” الوهمية من هيئات الاتحاد الإفريقي، حيث أظهرت القمة الأخيرة في أديس أبابا أن عملية من هذا القبيل أضحت في متناول اليد وأن الدول الإفريقية مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة.
أما الملف الثاني فيتمثل في حشد الاهتمام الدولي بشأن خطورة مليشيات “البوليساريو” المسلحة، وإظهار التواطؤ الذي يربطها بالمنظمات الإرهابية الأخرى في منطقة الساحل.