على مدى العقود الماضية، خاضت النساء معارك لا حصر لها، ليس فقط لتغيير صورة المرأة في المجتمع، ولكن أيضا للتمتع بكامل حقوقها مع تحمل مسؤولياتها.
وفي هذا الصدد، اعتبر عالم الاجتماع، أحمد المتمسك أن “هذا التغيير يؤشر على ثورة في العقليات والعلاقات داخل البيت”، وكذلك على الأدوار الاجتماعية لكل من النساء والرجال.
وسجل أن العديد من الشركات تمنح اليوم الحق في الاستفادة من عطلة الأبوة، وهي مقدمة ماتزال محتشمة، لكنها تشجع رجالا على اختيار البقاء في المنزل، بينما تعمل زوجاتهم من أجل تلبية احتياجات الأسرة. ومع ذلك، مازالت نظرة المجتمع إزاء هذه الخيارات تشكل تحديا، بل ومعركة يجب خوضها في مواجهة ثقافة مغربية يطغى على الطابع الشرقي.
الأم تمثل في حد ذاتها البيت بينما الأب يمثل مصدر المال الذي يوفر احتياجات الأسرة. هذا الوضع مثل لمدة طويلة الشكل الكلاسيكي للأسرة في المجتمع المغربي. وعكس هذا الوضع يعتبر “انتهاكا للأدوار الاجتماعية المعهودة، وانحرافا، ليس على مستوى القانون، بل على مستوى القاعدة الاجتماعية” بحسب عالم الاجتماع.
واعتبر أن تربية الأطفال، الذين سيصبحون فيما بعد رجال ونساء المجتمع الذي يترعرعون فيه، يمكن أن تلعب دورا محوريا في تحديد موقع كل فرد، وكذلك في تبني قيم المجتمع ومعاييره التي يفرضها تغيير النمط الاجتماعي والتكييف معها.
فالأم كانت في الماضي تعتني بالبيت والأطفال، بينما كان الزوج في العمل، وبالتالي فقد كان بمثابة ملجأ ورمز للسلطة الأبوية. ولذلك فإن دور المرأة يحدده المجتمع بقدر ما يحدده تكوين شخصية أطفالها.
وأكد المتمسك أنه على الرغم من كل الجهود، فإن اللغة السائدة تفرض على كل شريك دورا محددا، يجده الأطفال في الكتب المدرسية، مضيفا أنه “من الضروري أن يكون هناك خطاب جديد يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة، حتى وإن كانت هامشية ومحدودة وأحيانا كاريكاتورية”.
ومن أجل تأسيس نهج جديد للنوع الاجتماعي في اللغة، يضيف عالم الاجتماع، من المهم المضي قدما باتباع نهج إجرائي، مبرزا أن “الأمثلة التي ينبغي تقديمها للأطفال هي ما يعيشونه داخل منزل الأسرة، وهي ديمقراطية يجب غرسها منذ الصغر”.
واعتبر أن التعليم الذي يتجاوز الوضع الثنائي، والمواكب بتأطير مدرسي يمكن أن يحدث ثورة في دور كل فرد من أفراد الأسرة، وأن يسمو بمفاهيم التكافؤ داخل بيت الأسرة.
ومع ذلك، فإن هذا الاتجاه ليس قرارا تحظى كافة النساء بفرصة اتخاذه. فكثير منهن ملزمات بلعب هذا الدور وتحمل المسؤوليات المالية التي تقع على عاتق الزوجين.
هذا الوضع ينطبق تماما على حالة حليمة، وهي أم هجرها زوجها بين عشية وضحاها، لتجد نفسها وحيدة مع مراهقين اثنين يتوجب عليها اطعامهما وحمايتهما. وتكشف هذه المرأة، التي لم يسبق لها أن ولجت سوق الشغل من قبل، عن التحول الذي طال وضعها الاجتماعي والأسري والمالي، حيث أصبحت تشتغل كبائعة متجولة، وتعيل منزلا يحظى بالدفء والمسؤولة.
حليمة شأنها شأن العديد من النساء الأخريات اللائي لم يخترن الحداثة والحرية، لكن المجتمع، الذي يتساهل مع الرجال بشكل أكبر، يحكم على المرأة أن تكتفي بلعب دور الشريك السلبي في العلاقة بين الزوجين، والذي يجب أن يضمن استمرارية الوضع على حاله وحماية التوازن داخل الأسرة.
الحدث. و م غ